وجهات نظر

انتصارات سورية تثير جنون أردوغان

مصطفى السعيد


الأهرام المصرية - الإعلام تايم

خيم اليأس والوجوم على وجوه ممثلي "المعارضة السورية" في جنيف، عندما كان المفوض الأممي دى مستورا يعلن تأجيل الجولة الثالثة من المفاوضات إلى أواخر الشهر الحالي، بعد رفض وفد الحكومة السورية ووزير الخارجية الروسي مطالب "المعارضة" بوقف إطلاق النار وغارات الطيران، وفك الحصار عن الجماعات المسلحة، بينما كانت أهازيج الفرح تعم سورية بانتصارات جيشها على عدة جبهات، وكانت الثقة بادية على رئيس الوفد السوري بشار الجعفرى وهو يقول "لن نمنح الجماعات الإرهابية وداعميها بالمفاوضات ما عجزت عن تحقيقه بالسلاح".

 

كانت تركيا أشد حزناً وغضباً، وحاول داود أوغلو رئيس الوزراء التركي أن يلعب على وتر مخاوف أوروبا من موجات جديدة من النازحين السوريين، وقال في مؤتمر المانحين فى لندن إن عشرات الآلاف يفرون أمام الجيش السوري باتجاه الحدود التركية، إلى جانب أعداد أخرى من سكان المخيمات على الحدود.

 

ولم يتمكن الرئيس التركي أردوغان من إخفاء وقع الأنباء السيئة عن انتصارات الجيش السوري وهو في جولته اللاتينية، وقال خلال زيارته بيرو إن محادثات جنيف لا طائل منها، مادامت استمرت هجمات الجيش السوري والطيران الروسي على "المعارضة"، لكنه لم يتطرق هذه المرة إلى طرح مشروع إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية، وهىيالقشة المتبقية من أحلام إنشاء إمبراطورية الخلافة العثمانية الجديدة بالتعاون مع حلفائه الدوليين والإقليميين، وباستخدام جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية في تهشيم جيوش ودول المنطقة، وتمهيد الطريق أمام دولة الخلافة على أشلاء ملايين القتلى والجرحى والمشردين، فكلما تقدم الجيش السوري تحت غطاء طائرات السوخوي الروسية تنكمش أحلام أردوغان، الذي بدأ يكرر شكواه من اختراق السوخوي لأجواء تركيا، ولو لبضع ثوان تبدو كافية لكي تذكره أن حلم دولة الخلافة، أوحتى فرصة إقامة المنطقة الآمنة قد تبددت.

 

وكل يوم يصحو على أخبار تقدم الجيش السوري، وتحريره المزيد من القرى والمدن من بين أيدي الجماعات المسلحة، التي لا تكف عن الاستغاثة وطلب العون من أردوغان، لكن السوخوي تراقب الحدود جيداً، والجيش السوري يقطع معظم طرق الإمداد، ويسيطر على المرتفعات والمواقع الإستراتيجية، ويواصل تمزيق مناطق سيطرة الجماعات المسلحة وقضمها واحدة تلو الأخري، من الشيخ مسكين وبلدة عثمان قرب الحدود الأردنية جنوباً، إلى نبل والزهراء شمالاً، ومن سلمى وربيعة أهم معاقل المسلحين فى ريف اللاذقية غرباً، وحتى أعتاب تدمر والباب شرقاً.


هل يفقد أردوغان عقله ويخوض الحرب إلى جانب الجماعات المسلحة، ويغامر بادخال جيشه إلى سورية؟

رئيس أركان الجيش الروسي أعلن رصد تحركات عسكرية تركية نشطة على الحدود السورية، تعززها تلميحات تركية بأنها مستعدة لدخول الحرب، لأن أردوغان لن يتحمل هزيمة كاملة لمشروعه في سورية، لكنه لا يجد ما يكفي من التأييد الدولي للإقدام على مغامرته، فقد خذله حلف الناتو، واكتفى ببيان هزيل أدان فيه خرق روسيا للمجال الجوى التركي، ولم تتحمس أمريكا لخيار تراه جنونياً، قد يجرها إلى حرب عالمية مدمرة، لا أحد سينجو من ويلاتها، ولهذا يصب أردوغان جام غضبه على حلفائه الأمريكيين سراً وعلناً، ويحملها فاتورة الفشل فى سورية.

 

الدبابات التركية تكثر من حركتها قرب الحدود السورية، ويجرى إطلاق عدة قذائف مدفعيته، لكنها لا تبدو أكثر من زمجرة سلطان عثمانى جريح، تتحول إلى أنين، يحاول أن يستدر به العطف من حلفائه الذين خذلوه، أو من خصمه الرئيس الروسي بوتين الذى يرفض أن يلتقيه، واصفا إياه بالخائن والكاذب، لكن أردوغان لا يكف عن طلب المغفرة سراً، ولم تنجح عروض أمير قطر تميم بن حمد فى تليين قلب بوتين تجاه أردوغان، عندما زار موسكو فى 17 يناير الفائت، ولم يكترث بوتين بإغراءات وقف حرب الغاز والنفط ضد روسيا، أومكاسب عقد صفقات اقتصادية.

 

كان لتنامي المخاوف الأوروبية من تمدد الإرهاب دور مؤثر في ضمور مشروع الفوضى الخلاقة، والذى كان حكم "داعش" يمثل ذروته، فقد كانت الخطة تصبو إلى انهيار سريع لجيوش ودول المنطقة تحت صدمة ورعب جحافل الجماعات الإرهابية، التى جرى جمع مسلحيها من نحو 80 دولة، يعقبها تدخل دولى تحت راية حماية الشعوب من الإرهاب، تفيى إلى إقامة ولايات إسلامية، تتجمع أشلاؤها فى مسمى "دولة الخلافة"، لكن الحرب الخاطفة تباطأت، وفقدت الكثير من زخمها بفعل فظاعات حكم "داعش" و"النصرة" وعشرات الجماعات السلفية، التي لم تجد منها شعوب المنطقة سوى الذبح والسبي والعبودية وأسواق النخاسة، مما منح الفرصة للجيشين السوري والعراقي باستجماع قواهما، ووجدا حلفاء أقوياء مثل روسيا وإيران، لتتغير موازين القوي، وتبدأ تنظيمات الرعب والهمجية في الانهيار.

 


تتهاوى معاقل الجماعات المسلحة بسرعة فى معركة حلب الكبري، ويكمل الجيش السوري إقامة قوس يحاصر ما تبقى من مواقع للمسلحين، لإحكام الحصار حولهم، وقطع الحبل السري الذي تغذيهم به تركيا، ليفقد أردوغان دوره وتأثيره على أرض المعركة وطاولات المفاوضات، التي أدرك أنها لن تمنحه شيئاً، ليترنح حكم أردوغان، ومعه الحلم العثماني الإخواني الداعشي، بإقامة إمبراطورية تمتد من سورية والعراق إلى المغرب العربي، والذي بدأ انكساره على الصخرة المصرية، بإسقاط حكم الإخوان، وها هي سورية تستكمل الإجهاز على ما تبقى من مخطط الفوضى الخلاقة.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=31463