الوطن - الإعلام تايم
أُوقِفَ جنيف أم أُجِّل: النتيجة واحدة، لا تهتموا بالحديثِ عنه، بل اجمعوا مِدادَ حبرِكم وخبؤوه في خزائنِ الشمس، لتصنعوا منها حبراً من نورٍ يليقُ بأبنائها المعمَّدين بنخبِ الانتصارات، وخبز الفقراء.
كل ما جرى، وكل ما تبعه من تصريحاتٍ وما سبقه من تهديداتٍ هو في السياق الطبيعي لهذه المرحلة الحساسة من السقوطِ الإنساني والأخلاقي على المستوى الدولي. من هنا كنّا نقول دائماً: إن "تسخيف" الصراع واستسهال المعارك العسكرية "إعلامياً"، والنظر للحرب بأنها مجرد خلافٍ بوجهات النظر، هو بحد ذاته استهانةٌ بدماء من ضحّى، والدليل أن آخر العلاج الكي، بمعنى آخر:
عند الحديث عن استعداد "آل سعود" لإرسال قواتٍ بريةٍ إلى سورية، فإن أول تساؤلٍ يأتي في البال: ماذا كان يفعل "آل سعود" طوال السنوات الماضية، هل كانوا يرسلون "حماماتَ سلامٍ" مثلاً؟! ثم ألا يخاف "آل سعود" وهم "الوجه الأبيض" لـ"داعش" أن يعلن هؤلاء الجنود انضمامهم للتنظيم لمجرد وصولهم لمناطق سيطرته، لأنهم أساساً مُشبعون بالفكر "الوهابي" الذي هو المصدر الأساس للفكر "الداعشي"، أم إنهم سيتجاوزون هذه المخاوف من خلال استجلاب المرتزقة الكولومبيين والسنغاليين، دون إغفال فرضية أن يقوم "آل خليفة" في مشيخة البحرين، مع قادة ما تبقى من السودان بسد العجز البشري عبر قواتهم العتيدة؟!
لكن في موازاة هذه التساؤلات التي تبدو من نوع "الكوميديا السوداء"، تقفز إلينا مجموعةٌ من الأسئلة الجدية والمنطقية، لعل أهمها:
أما السؤال الأهم، فهو مرتبطٌ ليس بموقف الولايات المتحدة فحسب، لكنه مرتبطٌ كذلك الأمر بموقف الناتو بشكل عام، فإلى أي مدى سيكون الناتو جاهزاً لإعطاء شرعيةٍ وغطاءٍ لهكذا عملية، بمعنى آخر:
مبدئياً نتفق أن هذه القوات إن تم إرسالها فهي حكماً ستتم من دون التشاور والتنسيق مع الحكومة السورية، وهذا بطبيعة الحال يعطي أي تدخلٍ من هذا النوع إن حدث صفة "اللاشرعية"، ويعطي القيادة السورية الحق في اتخاذ كافة التدابير للرد على هذا الاعتداء، أو كما قال السيد "وليد المعلم" بمؤتمره الصحفي صباح الأمس، بأن أي تدخلٍ بري دون موافقة الحكومة السورية هو عدوانٌ، والعدوان يرتب مقاومته، وتصبح واجبة لكل مواطن سوري وسنأسف أن يعود هؤلاء بصناديق خشبيةٍ إلى بلادهم.
الأمر الثاني مرتبطٌ بطبيعة الأرض وجبهات المعركة، بمعنى آخر:
منطقياً، لا يمكن لأحد أن يقتنع بقيام "آل سعود" بتشكيل هذه القوات وإرسالها لتموت في "الرقة" مثلاً، والتي هي أهم معقلٍ للتنظيم، والمكشوف تماماً على الحدود التركية، لكن يبدو الأمر أعقد من ذلك، وبالتالي هو تحالفٌ برداء الحرب على "داعش" لتستعيد أدواتهم زمام المبادرة، تحديداً في الشمال لسوري المتهالك تحت ضربات الجيش السوري وحلفائه، وهو ما أكده كذلك مسؤولٌ تركي بأن تركيا لن تدخل هذه المغامرة وحيدةً. ربما الأدق أن تركيا لن تدخل هذه المغامرة أساساً، طالما أن هناك من سيتولى إرسال المرتزقة ويدفع المال. بالتالي لا شيء سيتبدل، أي إن الأتراك كانوا يقدمون دعماً لوجستياً لدخول الإرهابيين، اليوم سيقدمون دعماً لوجستياً لدخول من يسمونهم قوات محاربة "داعش"، لكن كيف ستعمل هذه القوات؟
بالمطلق إن عمل القوات يحتاج لتغطيةٍ جوية، فما هي المراكز التي سيتم استهدافها؟ وهنا مربط الفرس:
ربما نثق أن "آل سعود" ليسوا قادرين وهم يهربون من خيبة أمل إلى انتكاسةٍ، بعكس أردوغان الذي نجح إلى حدٍّ بعيد بتعبئة الشعب التركي مع مشروعه وما زال هناك من يميز بين أغلبية الشعب التركي والحكومة!!".
يدرك أردوغان أن أي حربٍ مفتوحة لن يكون فيها خسارةٌ في الداخل كما يروج "خبراؤنا الإستراتيجيون"، على العكس، هكذا حرب قد تضمن لأردوغان تحالفاً مع المعارضة القومية التي لا تقل عنه تطرفاً، تحديداً أن الحديث عن تصاعد الخطر الكردي جنوباً سيقنعهم بأن المعركة هي معركهٌ تهدِّد "القومية التركية"، وهذا ما سيجمع الجبهة الداخلية ولن يساهم في تفكيكها. لكن هذا لا يكفي، لأن معركة كهذه يحتاج فيها أردوغان لغطاءٍ أهم وهو غطاء الناتو، فهل أن الدول الأوروبية قادرةٌ بعد اليوم على تحمل حماقات أردوغان لدرجة إغراقها بالحرب، وهو ذاته الذي أغرقها باللاجئين؟
للإجابة عن هذا التساؤل ننطلق من فرضية أن الطرف الآخر المتمثل بالحلف (السوري – الروسي – الإيراني) ليس مجرد مشاهد يغادر بعد انتهاء العرض، هو حُكماً يتابع بصمتٍ ما ستؤول إليه التطورات.
يدرك الأميركيون أن "علم النفس" تحدث عن الاكتئاب ثنائي القطبية الذي يقود صاحبه لارتكاب أكبر الحماقات ومنها الانتحار، يبدو أن الأتراك و"آل سعود"، وبعكس الواقعية الأميركية، بات لديهم اكتئابٌ متعدد القطبية بعد توالي الانتكاسات، فـ"آل سعود" أربكهم حديث الميدان وتقدم الجيش السوري، أما الأتراك فهم إضافة إلى ذلك لم ينجحوا حتى بتنفيذ ما كانوا يخططون له من اغتيالاتٍ في سويسرا بحق المعارضين السوريين من خارج "وفد الرياض"، وكلاهما الآن يرى أن كل ما يجري هو إمعانٌ في الهزيمة، فهل سيسمحون بذلك؟ ربما ليس هم من سيسمح أو لا يسمح، بل إنهم لم يفهموا حتى الآن الواقعية الغربية وما الفخ المنصوب لهم. القصة بسيطةٌ وموجودة في أدبيات الفكر السياسي الواقعي:
إن أردت أن تقسِّمهم دعهم يعيشون وهم القوة، ودعمهم يدخلون حروباً خارج حدودهم… ليتهم يلعبون حركتهم الأخيرة، وبمعنى أدق: أياً كان القرار.. فهي حركتهم الأخيرة. |
||||||||
|