على طول الخط البياني التصاعدي لتقدّم الجيش السوري خلال الأسابيع الماضية في جبهات مختلفة، كان لفك الحصار عن بلدتي نبّل والزهراء رمزية من نوع آخر. مأساة 3 سنوات ونصف سنة من الحصار لم يعلن فقط انتهاؤها، بل تتثبّت في الشمال السوري معادلات ميدانية جديدة، فيما أخرى رسمها اللاعب التركي وأعوانه في طور الانحدار في قرية معرسته كان اللقاء. لم تكن معركة فكّ حصار بالمعنى الكلاسيكي، عبر دخول قوات من الخارج إلى قلب المنطقة المحاصرة. حكاية نبّل والزهراء مع الحصار مختلفة عن مثيلاتها في الحرب السورية. ثلاث سنوات ونصف سنة من الدفاع المستميت عن 70 ألف نسمة مهدّدين بالذبح... لا شيء غير "الذبح"الذي رآه أهل البلدتين بحق طفلين من آل شربو في فيديو بثّه تنظيم "داعش" في آب من عام 2013.
في صيف 2012، عُزلت نبّل والزهراء عن العالم الخارجي. عاشت البلدتان على "المصل الجوّي". مساعدات إنسانية تُرمى من الجو، كما مسابقات الطلاب في امتحانات الشهادة الرسمية. حتى هذه الأوراق لم تَسْلم، ففي تموز 2013 استهدف مسلحون بصاروخ حراري مروحية تقل موظفين في مديرية تربية حلب مكلّفين نقل أسئلة الامتحانات إلى البلدتين: 16 شهيداً بين عسكريين ومدنيين كانت الحصيلة. ممنوعة هي الحياة هناك... والعلم بطبيعة الحال. وفي ظل عدم انتظام الإمداد الجوي، كانت المساعدات تصل إلى البلدتين أحياناً كثيرة من خلال منطقة عفرين المجاورة، حيث وحدات حماية الشعب الكردية التي فتحت بعض سبل الإمداد، وكذلك تجار من المنطقة كانوا يبيعون جيرانهم سلعاً ومواد غذائية ترفعهم عن خط الجوع.
كانت الرسالة من المجموعات المسلحة واضحة: ستواصلون مراسم الدفن. فيما كانت الدولة السورية تعلم أنّ فك الحصار وحده الكفيل بإنهاء المعاناة دون أي هِدن أو تسويات على شاكلة "إخراج المسلحين من البلدتين مقابل عدم التعرض للمدنيين".
الساعة الصفر لا "فتاوى" قاضي "جيش الفتح" ولا "أسود رتل جبهة النصرة في حلب" غيّروا شيئاً من المعادلة الميدانية. منذ سنة، بعد المحاولة الفاشلة الأخيرة لفكّ الحصار، كان الجيش السوري وحلفاؤه يعدّون العدّة لمحاولة جديدة "نظيفة" بالمعنى العسكري.
تأجيل مستمر وتحضير متواصل لمعركة بنتيجة واحدة: لقاء المهاجِمين بالمحاصَرين. المعركة برمزيتها إلى جانب تأثيرها الميداني على ريفي حلب الشمالي والغربي وبالتالي مدينة حلب، لم تكن يتيمة، فالميدان السوري انقلب رأساً على عقب منذ شهور: المسلحون يدافعون، منهكون من جبهة إلى أخرى بخطوط إمداد مرصود معظمها. أين ينادي أبو محمد الجولاني و"إخوة المنهج" في "أحرار الشام" وأجانبه؟ إلى ريف اللاذقية الشمالي، أم إلى جبهات العيس وخان طومان في ريف حلب الجنوبي، أم إلى الشيخ مسكين وعتمان في درعا؟
بالنتيجة، بضع ساعات كان الجيش السوري في قرية معرستة يلاقي طلائع "لجان حماية" نبل الزهراء، بعد تحييد رتيان وبيانون وماير بالنار والكمائن.
"التحالف" وضع نُصب أعينه بنك أهداف واضح "يجب" تحقيقه، والجبهات المفتوحة مرتبطة بضرورات عسكرية وسياسية، هدفها الأخير دحر الإرهاب من كل الأراضي السورية.
عابرونَ في حصار عابر
منذ صيف 2012، خاضت ثلّة من أبناء نبل والزهراء معارك وجود. قاتلوا "لواء التوحيد" في أيار 2013، وفي تمّوز صدوا هجوماً عنيفاً ظلّلته راية "داعش" بعد أن قامت خمسة ألوية معارضة بإنشاء غرفة عمليات مشتركة وتسليم القيادة فيها للتنظيم المتطرّف في مسعى لاقتحام البلدتين. بعدَها هاجم "داعش" منفرداً في آب، ليشتدّ الحصار أكثر مع مرور الوقت. انسحب "داعش" من المنطقة إثر المعارك التي اندلعت بينه وبين "النصرة" وحلفائها، ليحمل هؤلاء "راية الحصار". في تشرين الثاني من عام 2014 شنّت "جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام" هجوماً ضخماً، وأتبعتاه بعد أشهر (كانون الثاني 2015) بهجوم هو الأعنف (شهد خروقات في البلدتين)، بمساندة "حركة أنصار الدين" ومجموعات قوقازية، وبآخرَ في كانون الأول الماضي (لا مجال لتعداد عشرات الهجمات "الصغيرة").
قيادة الجيش: فكّ الحصار "ضربة قاصمة للمشروع الإرهابي"
أكدت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية أنّ فكّ الحصار عن بلدتي نبل والزهراء "ضربة قاصمة للمشروع الإرهابي وداعميه في المنطقة، وركيزة لاستكمال العمليات العسكرية والقضاء على التجمعات الإرهابية في ريف حلب الشمالي".
وأشار البيان إلى أنّ هذا الإنجاز يؤكد من جديد "إصرار القوات المسلحة على مواصلة تنفيذ واجباتها ومهامها في حماية الوطن وأبنائه الذين أثبتوا بصمودهم عمق انتمائهم لوطنهم وثقتهم الكبيرة بجيشهم الباسل وبقدرته على تخليصهم من رجس الإرهاب وشروره".
واعتبرت القيادة العامة للجيش أنّ "صمود أبناء نبل والزهراء في وجه الحصار انعكاس لصمود شعبنا الأبي في كل شبر من الوطن، وهو رسالة حية لجميع الدول والأطراف الداعمة للإرهاب بأن سوريا عصية عليهم ومنيعة في وجه مؤامراتهم". |
||||||||
|