وجهات نظر

نتنياهو يعلنها: السعودية حليفاً

فارس رياض الجيرودي


الوطن - الإعلام تايم


تبدي المملكة السعودية عجزاً واضحاً عن التكيف مع التغيرات في موازين القوى الحاكمة للصراع في المنطقة وذلك منذ بدا في الأفق أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يتجه للاعتراف بإيران كقوة إقليمية عظمى، تنفيذاً لمقترحات لجنة بيكر هاملتون عام 2006، منذ ذلك التاريخ ازداد اللجوء السعودي لسلاح تصعيد التوتر الطائفي في المنطقة، وظهر ذلك كنمط متكرر في السياسات السعودية الغرض منه عزل إيران إقليمياً عبر استهداف حليفيها الأهم (سورية وحزب اللـه) أملاً في إحياء مشروع استهدافها من أميركا بدل الاعتراف بها والتفاهم معها ومع حلفائها، الذي اقترحه بيكر هاملتون، فكان الموقف السعودي النافر ضد حزب اللـه خلال حرب تموز 2006 (ظهر الموقف السعودي شاذاً في أثناء هذه الحرب لأن السعودية اعتادت خلال الحروب العربية "الإسرائيلية" السابقة اتخاذ مواقف متضامنة ظاهرياً مع الطرف العربي رغم أن الوثائق الأميركية المفرج عنها تثبت تورط السعودية في التمهيد لحرب 1967 عبر استنزاف عبد الناصر في اليمن، بل أيضاً التورط في طلب الحرب عبر رسالة من الملك فيصل للإدارة الأميركية استجدى فيها تدخلاً "إسرائيلياً" ضد مصر وسورية).

 

ثم تصاعد الخطاب السعودي الطائفي بعد إخفاق "إسرائيل" في إنجاز مهمة اجتثاث حزب اللـه ليصل ذروته مع التجييش الهادف لتدمير الدولة الوطنية السورية منذ عام 2011، ومن ثم ليصل إلى ذروة أخرى مع الحرب العدوانية التي قررت المملكة شنها على اليمن عام 2015، هذا التصعيد الطائفي يبدو اليوم أنه استنفد أغراضه بعدما ثبت أن الحسابات الطائفية السعودية لم تطابق واقع البيدرين السوري واليمني، فوفقاً للحسابات السعودية كان ينبغي للسلاح الطائفي أن يقتلع الدولة الوطنية السورية من جذورها وخصوصاً مع توفر حليف متحمس لذلك هو أردوغان الذي حول تركيا دولة التسعين مليوناً بجيشها الأكبر في الناتو إلى قاعدة خلفية للحرب على سورية، لكن النتائج في الميدان وإن أدت إلى استنزاف الدولة الوطنية السورية لكنها أثبتت وجود كتلة شعبية عابرة للطوائف تقف خلف تلك الدولة، وانتهى الأمر إلى حال وجد العالم فيها بين خياري القاعدة بمسمياتها المختلفة أو الدولة السورية بقيادة الرئيس الأسد، أي إن الحرب التي هدفت أساساً لشطب الدولة السورية انتهت عملياً لتأكيد أنها حاجة ملحة وشرط للاستقرار الإقليمي والعالمي.

 

كذلك تحطمت في اليمن الآمال السعودية المبنية على حسابات طائفية على جدار الوطنية اليمنية، حيث دخلت السعودية الحرب باعتبارها طلقة أخيرة لتغيير موازين القوى قبل توقيع الاتفاق النووي مع إيران أو لتفادي مفاعيل ذلك التوقيع، أو على الأقل لحجز مقعد للسعودية على طاولة التسويات القادمة وذلك بعد أن تم استبعادها من مفاوضات الخمس + 1 مع إيران رغم سعيها الحثيث للحضور على الطاولة، وكانت الحسابات السعودية في معركة اليمن مبنية أساساً كما في سورية على النسب التي يتوزع عليها الشعب اليمني طائفياً ومذهبياً، وهي حسابات مشتقة من جذور التفكير القبلي السعودي الذي لا يعترف بالوطنية، لتنتهي الحرب إلى مأزق استنزاف اقتصادي وعسكري رهيب للسعودية قلل من وزنها الإقليمي بدل أن تضيف الحرب إليه، حيث تقدر الخسائر السعودية اليوم في اليمن بـ200 مليار دولار، وفوق ذلك استولت "داعش" والقاعدة على الأراضي اليمنية التي انسحب منها الجيش اليمني واللجان الشعبية اليمنية، بينما توغلت تلك القوات اليمنية إلى عمق 30 كم ضمن الأراضي السعودية ليطرح ذلك أسئلة جدية عن حقيقة وجود جيش سعودي جدي وخصوصاً مع لجوء المملكة للاستعانة بالمرتزقة من دول العالم المختلفة لحماية حدودها، مما يتوقع أن يلقي بأثره قريباً على الاستقرار السعودي الداخلي بعد أن تبين عدم وجود قوة عسكرية سعودية حقيقية قادرة على الوقوف في وجه المد الداعشي والقاعدي الذي يتمدد بسرعة بين أوساط الشباب السعوديين مع تفاقم الأزمة الاقتصادية الناتجة عن حرب اليمن وعن انخفاض أسعار النفط.

 

إن البدء أخيراً بالإجراءات التنفيذية للاتفاق النووي مع إيران والقاضية برفع العقوبات عنها، يعني تدفقات مالية ضخمة ستفتح آفاقاً لا محدودة أمام الاقتصاد الإيراني الواعد والمتطور، وبالتالي مزيد من الدعم لحلفاء إيران في محور المقاومة، ومزيد من الإخلال بموازين القوى الإقليمية التي تغيرت أصلاً بعد التدخل الروسي إلى جانب الدولة السورية وعلى عكس ما يشتهيه السعوديون، فما الذي تبقى في الجعبة السعودية اليوم من خيارات بعد أن استنفد سلاح تصعيد التوتر الطائفي أغراضه؟ وبعدما يبدو من أن ذلك السلاح أصبح يخدم القوى الداعشية والقاعدية التي تشكل خطراً على استقرار السعودية نفسها؟ وما الموقف الأميركي الحقيقي من خطوات الجنون السعودية التي يبدو أنها تتم بمبادرة سعودية صرفة؟

 

حتى نفهم الموقف الأميركي المعقد من خطوات الجموح السعودية التصعيدية يجب أن نستوعب أبعاد عملية صنع القرار في الولايات المتحدة، والمبنية على نظام اللوبيات المتعددة التي يعمل كل منها من أجل الضغط على الحكومة بهدف إقناعها بتبني سياسة معينة، وتكون السياسة الأميركية الخارجية هي المحصلة النهائية لعمل تلك القوى المتضادة، حيث يكتسب كل لوبي مكانته من خلال قدرته على الدفاع عن السياسة التي يتبناها وإثبات جدواها في خدمة المصالح الإستراتيجية الأميركية.

 

لقد بدأ السعوديون بتأسيس اللوبي الخاص بهم في الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 التي تسببت بموجة من النقمة على السعودية في أوساط النخب الإعلامية والسياسية الأميركية، ما نتج عنه ظهور وجهة نظر داخل دوائر صنع القرار الأميركي تطالب بإصلاح التركيبة السعودية الداخلية سياسة واقتصاداً ومناهج تعليم، بدل الاستمرار في سياسة التبني الأعمى للنظام السعودي الذي تحول إلى المفرخ الأكبر للإرهاب في العالم، وشرع اللوبي السعودي تنسيقاً مع اللوبي الصهيوني عبر اجتماعات معلنة للمسؤولين السعوديين مع أعضاء منظمة الآيباك في واشنطن وذلك بدءاً من عام 2006، عندما اعتبر الطرفان إخفاق "إسرائيل" في حربها على حزب اللـه في تموز من ذلك العام تهديداً لمكانتهما في المنطقة والتي تقوم أساسا إضافة إلى مال النفط على هيبة القوة العسكرية "الإسرائيلية" (لم تبدأ حقبة تضخم الدور السعودي في العالم العربي إلا بعد هزيمة حركة التحرر العربية بقيادة عبد الناصر على يد إسرائيل عام 1967)، ومنذ تموز 2006 ظهرت على لسان المسؤولين "الإسرائيليين" وفي مقالات الصحف "الإسرائيلية" التصريحات والتحليلات المبشرة بالتحالف مع السعودية ضد الخطر الإيراني المشترك، وكان"الإسرائيليون" يصرحون باسم السعودية حينا ويكنون عنها بمصطلح الدول العربية المعتدلة في أحيان أخرى، كذلك ظهر ذات المعنى أخيراً في تصريحات لشخصيات سعودية مهمة مثل حديث الأمير الوليد بن طلال لقناة السي إن إن وحديث ضابط المخابرات السعودي السابق أنور العشقي، ومقالات امتلأت بها الصحف السعودية الصادرة في الرياض ولندن فحواها أن الخطر الإيراني أكثر إلحاحاً من "الإسرائيلي".

 

إلا أن اللوبيات العاملة في الولايات المتحدة وعلى عكس الأسطورة الشائعة في الأوساط العربية لا تعمل خارج سقف المصالح الإمبريالية الأميركية بل لخدمتها، حيث لا يجد صناع القرار الأميركي حتى الآن مشكلة في محاولات السعودية و"إسرائيل" تحسين موقعهما على طاولة التسويات التي ستشهدها المنطقة مستقبلاً ما دام ذلك سيقلص من أدوار ومكانة خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، وإن كان الأميركيون لا يعلقون آمالاً كبيرة على تلك الجهود.

 

فبالمجمل أخفق التنسيق السعودي الصهيوني في إقناع إدارة الرئيس أوباما بإمكانية تأمين المصالح الأميركية في المنطقة من دون الحاجة للاتفاق مع إيران، التي أثبتت نجاحاً سواء لجهة تحقيقها خطوات ثابتة على مستوى تطوير قدراتها التقنية عسكرياً ومدنياً حيث أصبح شن حرب خارجية عليها عملية باهظة الكلفة، أو لجهة بناء وتوسيع وترسيخ تحالفات مع القوى الممثلة للقطاعات الشعبية الفاعلة في المنطقة من سورية إلى لبنان إلى فلسطين والعراق واليمن ضمن ما يسمى محور المقاومة، لذلك يمكن أن نتنبأ بمزيد من الخطوات التصعيدية السعودية "الإسرائيلية" المشتركة مستقبلاً تفادياً لما يتوقع أن تسفر عنه التسويات السياسية القادمة في المنطقة لا محالة، والتي ستتأثر حتماً بالتغير في موازين القوى وبتحسن موقف إيران مع رفع العقوبات عنها، وبتحسن موقف سورية مع التدخل الروسي العسكري إلى جانبها.

 

لقد أعلن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو مؤخراً في حديث مع قناة السي إن إن أنه: "يوجد تغيير دراماتيكي في العلاقات الخارجية "لإسرائيل" في المدة الأخيرة، بينها وجيرانها العرب، وأن السعودية كما هم كثر في العالم العربي، ترى في "إسرائيل" حليفاً وليس تهديداً"، يظهر لنا هذا الإعلان أننا اقتربنا من المرحلة التي سيقاتل فيها السعوديون مع "الإسرائيليين" علناً بعد عقود من التحالف غير المعلن الذي واجها من خلاله كل من تحدى الهيمنة الغربية على المنطقة من عبد الناصر في الأمس لحلف المقاومة اليوم، وهي حال انتهى إليها حليف آخر للولايات المتحدة هو الرئيس التركي أردوغان الذي أعلن أخيراً بصراحة أن: "تركيا تحتاج لإسرائيل تماماً مثلما تحتاج إليها "إسرائيل".

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=31321