وجهات نظر

حجاب الرياض لا يستر عوراتها

علي قاسم


الثورة _الإعلام تايم

لم ينفع "تمنّع" "معارضة الرياض" من انكشاف ما تبقى من أحجية، فيما كان إشهار المبعوث الأممي خط البداية في جنيف كافياً كي يوصل تساقط الأوراق إلى نهايته، ولم يبقِ حتى ورقة التوت،
سواء كانت مضمرة أم مشهرة، بما فيها تلك التي كانت تستر عورات مضيفهم الأخيرة، حيث الضمانات الجوفاء تنصلت منها واشنطن قبل أن يصل حبر الالتحاق بالمحادثات إلى جنيف.‏

 

ولم تتمكن في نهاية المطاف من الإحاطة بكل ما انكشف، وهي تداري بسيل من التصريحات والمواقف الجدل العبثي الذي أضاع الجهد الدولي في سراديب المتاهة المعلنة، واللائحة الطويلة من الإشتراطات التي لم تجدِ معها النصائح الأميركية الناعمة، إلى أن جاءها البريد العاجل بكلمة السر التي أنهت كل التحفظات إن صحت التسمية، وحتى تلك المدموغة بسياقات التشفي أو "المجاكرة" والنكد السياسي، ودفعت بالسعودية أخيراً إلى النطق، بعد طول صمت وتدبيج الأسباب الموجبة لالتحاق معارضتها أخيراً بجنيف.‏

 

رضخت السعودية من دون أن تنطق، وأقرت من غير أن تعترف، وهي التي لم تدخر جهداً تعطيلياً هنا، ولم تستثنِ عقبة هناك، ومارست علناً وسراً أقصى درجات التهويل والوعيد، ولم تتردد في رسم صورة من المغالاة في مساحة تأثيرها ووجودها الفعلي لجهة العراقيل والعقبات، وقد أبرزت هوية دورها وإن كان بألسنة غيرها، حيث الأحرف سعودية.. والكلمات إرهابية.. والجمل وهابية، ولو نطقها الآخرون أو تذرعوا بها.‏


فجبير آل سعود، عاد إلى اللعق من القاع ذاته، وباللغة نفسها، وكأن ماجرى وما يجري في كواليس جنيف وعواصم القرار الدولي خارج مداركه الفارغة والمتفرغة لترتيب أوراق إرهابييه، وإعادة التلويح بمرتزقته على الأرض الذين أوفد بعضهم إلى جنيف.‏

 

المداولات العلنية قد لا تكفي لفهم كل الأسباب والدوافع التي تحكم تفاصيل ما يجري في الكواليس، لكنها قد تكون مؤشراً واضحاً على السياق الذي ينتج في نهاية المطاف، خصوصاً حين يتمخض الجبل فَـ يَلِدُ إرهابياً موصوفاً، لتسود لغة الاستبعاد بطريقة تبدو متجنية على الواقع كما هي ظالمة للجهد الدولي ذاته، والأخطر حين تكون مفخخة على مقاس ما توهمته أو وفقاً لاستطالات تورماتها المرضية.‏

 

فحين ينتهي دوران مرجل الحصى إلى أن يكون أحد المكونات السورية خارج قوائم التفاوض، فهذا ليس استبعاداً سياسياً بقدر ما هو قرار إلغائي ببعد عنصري، يترجم النظرة الإرهابية بأهم مكوناتها، ويستحضر أفواجاً من المقاربات الخطيرة في فهم التداعيات الناتجة، ولا سيما بعد كل هذا الجهد المتواصل، ليغدو الحديث مجرداً من أهم عناصره الموضوعية، ويترك ثغرة يصعب إغلاقها أو العبث بمكوناتها تحت حجج واهية وذرائع أكثر تجنٍّ من الفعل ذاته.‏

 

في أي مقاربة متاحة سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على الأمم المتحدة والأطراف الدولية أن تقدم تفسيراً أو توضيحاً يقبله العقل أو المنطق، أو أن تتبرأ من تبعات هذه المفارقة الصارخة قانونياً وأخلاقياً وسياسياً ومبدئياً ومصلحياً، أو أن تكون جزءاً منها، وهذا ينطبق على الجميع من دون استثناء، لأن أي تبنٍ أو مقاربة له تقدم أنموذجاً صارخاً للنفاق السياسي، مهما يكن الشعار الذي يحتويه، وحالة من الازدواجية التي لا تقود إلا إلى تبييض أميركي سعودي لصفحة الإرهاب، وأيُّ منتج بهذه المواصفات سيكون مشوهاً ومبتوراً وفاقداً لأي فاعلية أو تأثير.‏

 

ربما كان التحذير من العواقب غير مُجدٍ، والتذكير بالتداعيات لا ينفع، وسط وضوح كامل في المخاطر المحدقة والقائمة على مجرد قبول المقاربة الأممية والإرادة الدولية بأن يكون منتج المعارضة القائمة بنسخته السعودية على مقاس الإناء ذاته المتخم بإرهابييه، حيث لا يمكن أن ينضح إلا بما فيه، وقد يكون الأخطر من هذا ما هو قادم.‏

 

فحجاب الرياض لا يمكن أن يستر عوراتها، وما تبقى من رقع إضافية بما فيها تلك الملحقة تحت عناوين مختلفة ستبقى رسائل إضافية، قابلة للصرف على مائدة النفاق الأميركي وما يفيض عنها في الربع الأخير من معركة الطاولات المفرودة في جنيف، حيث لا مقاربة قادرة على هضم المشهد، ولا رداء يستطيع أن يستر ما بان وما انكشف، وخط النهاية المحكوم بأرجحية الإفاضة في التعطيل سيرسم خطاً فاصلاً بين ماضٍ كانت السعودية تمارس فيه إرهابها المسكوت عنه بالتواطؤ الغربي المسبق والمنسق، وحاضر تنزع عنه المجريات والوقائع حجابه الأخير.‏
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=31165