وجهات نظر

بين البحث عن مُفاوضٍ واحتكار تمثيل المعارضين: جنيف 3 محطةٌ للنسيان.. من يبدأ حياتًه بالاستدانة، يُنهها بالتسول…

فراس عزيز ديب


الوطن  - الإعلام تايم

عبارةٌ لا تنطبق فقط على من يكيل بمكيالين في تحمل مسؤولياته الأممية ودوره في تنفيذ بنود القرار 2254 وتفاهمات فيينا، ولا على أولئك "المعارضين" اللذين بقوا لعقودٍ كجزءٍ مما يسمونه "النظام القمعي الفاسد"، لكنها تنطبق أيضاً على أولئك الهلاميين الذين لا تعرف لهم موقفاً، ومن كثرة التناقضات التي يعيشونها في حياتهم، تحسب نفسك أن الحالة الجنبلاطية "باقيةٌ وتتمدد"… 

 

انتظرنا، كما انتظر المهتمون بالشأن السوري افتتاح النسخة الجديدة من سلسلة "جنيف"، أو ما يُعرف باسم "جنيف3"، لنكتشف أن هذه النسخة أشبه بفلمٍ من دون شارةِ البداية، التي عادةً ما يتم فيها استعراض فريق العمل. محادثاتٌ برعايةٍ دوليةٍ لا يُعرف ساعة انطلاقتها، ولا جدول أعمالها، ولا حتى المشاركون فيها، لكن كان هناك حاجةٌ أمميةٌ ولو من باب "المصداقية الصورية" لإعلان انطلاقتها.يُحسب للقيادة السورية أنها سعت لإخراج المنظمة الأممية من هذا الحرَج، لأن الدولة في النهاية لا تتعاطى إلا بمنطقِ الدولة، وهي ربما النقطة التي لعِب عليها "دي ميستورا" بذكاءٍ عندما كان يؤكد أن المؤتمر سينطلق يوم الجمعة، وكان له ما أراد، لأنه كان يعرف أن وفد "الحكومة السورية" سيصل بالموعد المحدد (وفد الحكومة السورية.. وليس وفد الجمهورية العربية السورية كما يتحفنا كوادر الإعلام الرسمي).

 

يدرك الجميع الصعوبات التي ترافق الدعوة لحضور هذا الاجتماع، نظراً للتداخلات الكبيرة في الشأن السوري، وسعي "آل سعود" ومن خلفهم كل من قطر وتركيا لحصر التمثيل المعارض بما يُسمى "معارضة" الرياض، بمعنى آخر: عندما نتناول قيام البعض بوضع العصي في عجلات انطلاق المحادثات، فإننا لا نتجاهل من باب "المحاباة" الحديث عن الوفد الحكومي، لكننا فعلياً لم نر القيادة السورية قالت أو اشترطت أو تحدثت عن أي جانب من الجوانب التي تعيق وصول وفدها للمحادثات، وبشكلٍ مماثلٍ لم نسمع أن الإيرانيين أو الروس طلبوا من السوريين إقصاء هذا الاسم أو ذاك، فكان متوقعاً الوصول لهذا التخبط في الطرف الآخر، بل إن المفاوضات بدت وكأنها تفرغت من مضمونها، حتى مع وصول وفد «معارضة الرياض» إلى جنيف يوم أمس.

 

منذ صدور القرار 2254، بالغ "دي ميستورا" في ديبلوماسيته، تحديداً أنه لم يتحدث حتى الآن عن أسباب تأخر انعقاد المؤتمر عن تاريخ 25 الشهر الجاري. النقطة الثانية أن "دي ميستورا" ذات نفسه يخالف قرار مجلس الأمن عندما يحابي ضمنياً "معارضة الرياض" بقوله إن دعوة باقي أطياف المعارضة هي دعواتٌ شخصيةٌ؛ أي إنه لا يريد الاعتراف بهم ككياناتٍ سياسيةٍ منعاً لاستفزاز أحد، وما تلاه بالأمس من استبعادٍ لوفد "الحزب الديمقراطي الكردي" كي لاتنزعج تركيا، فهل الهدف من المحادثات هو "تبويس الشوارب" أم تطبيق التفاهمات الدولية المتجسدة بمرجعيتي فيينا وقرار مجلس الأمن 2254، والذي يتحدث صراحةً عن وجود أكثر من ممثلٍ "للمعارضة السورية" في المحادثات القادمة؟ ثم إن كان يريد فعلياً إنهاء معاناة السوريين، فلماذا لا يطالب الدول الأوروبية برفع عقوباتها الاقتصادية عن سورية، كبادرةٍ مع انطلاق المحادثات؟

 

أمّا "معارضة الرياض" فليس ذنبها أنها مستسلمةٌ بشكلٍ كاملٍ لرعاتها، لأنها أساساً لايمكن أن تكون إلا كذلك، وإلا من كان سيعيرها الاهتمام!؟


أوقعوها- وأوقعوا أنفسهم- بحرجٍ كبيرٍ عندما طلبوا منها رفع سقف المطالب، راهنوا على أشياء كثيرة، لكن ليس الميدان وحده من بات يصدمهم، بل "سرعة" التقدم للجيش السوري وحلفائه في الميدان، بالإضافة للموقف الأميركي الذي بات جلياً أنه يصارع الوقت لإحراز تقدمٍ ما، ولو بالضغط على حلفائهِ للحفاظ على التفاهمات مع روسيا.

 

"رياض حجاب"، الذي حمل عشرات المناصب الرسمية قبل أن ينشق، كان قد تدرج في تصريحاته منذ تعيينه "رئيساً للهيئة التفاوضية"؛ من "لا دور للأسد في سورية" وهو كلام يخالف قرار مجلس الأمن 2254، إلى رفض التفاوض لأن "الشعب السوري تحت القصف" حسب قوله، وصولاً لفكرة أنهم لن يشاركوا بوجودِ طرفٍ ثالثٍ، ربما أن زيارة كيري وما تم تسريبه عن الطريقة التي تحدث بها معهم عن المشاركة- "لم تنفها الولايات المتحدة"- تثبت أن هذا الكلام لم يكن موجهاً "للمعارضة السورية"، وإنما للرعاة، وعليه أسقط "بن سلمان" كل التحفظات وخرج وفد الرياض بصورةٍ محسَّنة بالقول إنهم انتظروا "إجابةٍ على التساؤلات". كلّ هذا لا صحةَ له أبداً، فالتساؤلات والضمانات مصدرها المحادثات وليس العكس، وربما يجب هنا تذكير عضو الهيئة المدعو "صالح المسلط" بأن القرار 2254 ليس فقط الفقرتين 12 و13، القرار سلةٌ متكاملةٌ وليست انتقائيةٌ.

 

قبل أن تبدأ المحادثات قزَّموا أنفسهم، فكيف تقدمون أنفسكم كرعاةٍ لمصالح الشعب وأنتم لا تجرؤون على الرد عندما اتهمكم أردوغان بالخيانة إذا شاركتم في المحادثات، أي أنكم الآن بنظره "خونةٌ"،  والأهم ما هو الثمن الذي سيجعلكم أردوغان تدفعونه لأنكم ستشاركون؟ ألم يكن بالإمكان أن تحافظوا على الدرجة الدنيا من الكرامة وتأتوا للمفاوضات طواعيةً بدلاً من هذا "التخبطط،  أما على المقلب الآخر من "المعارضة"، فإن الوثيقة التي قدمها "هيثم مناع" كخطة عملٍ لإنجاح المفاوضات باسم "مجلس سورية الديمقراطية" لاتبدو وكأنها على مستوى الحدث المتعلق بإيجاد حلٍ لما يجري في سورية، تحديداً من شخصٍ يحمل ألقاباً رنانةٍ من قبيل «علمانيةٍ، وديمقراطية".


منذ الشهر الثاني للحرب على سورية اعترف مناع نفسه والذي كان ضيفاً دائماً على قناة "آل ثاني" بأنهم "أي المعارضةط رفضوا عروضاً من دولٍ لتسليحهم، لأنه لا يؤمن بالحل العسكري،  هو تجاهل مراراً وبرماديةٍ مطلقةٍ كل الإرهاب الذي ضرب المدنيين في سورية، بل كان يصفه بـ"ردة فعلٍ على ظلم النظام". اليوم لا يتحدث فقط عن احتفاظ الجماعات الإرهابية بسلاحها، لكنه يتحدث عن مصطلح حتى الغرب المتأمرك يكاد ينساه وهو "المعارضة المعتدلة"، ما هذه الرمادية؟

 

لكن ما يثير الشفقة في هذه الوثيقة هو الحديث عن ضرورة التزام الأطراف الدولية والإقليمية والسورية بوقف دعم "الجماعات المسلحة"، لا نعلم إن كان السيد "المناع" يعلم أن هناك أكثر من 5 قراراتٍ أمميةٍ تتحدث عن دعم الإرهاب في سورية، لكن من الذي التزم بها؟ حتى عندما هاجم الطيران الروسي قافلات النفط المهرّب إلى تركيا انطلاقاً من جهود محاصرة تمويل داعش، هناك من حاول تبرئة الأتراك من ذلك. قبل أن يطلب "المناع" ضماناتٍ دوليةٍ لوقف دعم الجماعات المسلحة في سورية، عليه أن يطلب ضماناتٍ من «رعاة ثورتهم» عساه يحجز مكاناً له في المفاوضات، لا أن يجعلوه يغادرها بعد استبعاد حليفه الحزب الديمقراطي!

 

وفد الحكومة السورية من جهته ومع هذه «الكتيبة الديبلوماسية والقانونية» التي حضر بها يعي ما يريد، فالقيادة السورية لم تقف يوماً عقبةً أمام أي إجراءٍ تصالحي، والذي يسمونه هم "وقف إطلاق النار"، لكن هذا الأمر بحاجةٍ لتحديد الجماعات الإرهابية. ربما لا يزال "دي ميستورا" يناور بذلك تحديداً مع ما قاله بعد لقاء الدكتور الجعفري بأن هذا الأمر ستتم مناقشته في مجلس الأمن، علماً أن هذا الترحيل من قبل دي ميستورا لهذا الأمر الجوهري، سيكون أيضاً أحد أسباب انتفاء فرضية انتظار أي شيءٍ من جنيف3.

 

من ناحيةٍ أخرى، فإن وفد الحكومة متسلحٌ بالإنجازات على الأرض، فما كانت "المعارضات السورية" تعلل النفس به من "هيئةٍ حاكمةٍ كاملة الصلاحيات" سقط، فعلى أي دورٍ سياسي مستقبلي لهم في سورية سيتفاوضون؟!


إذا كان موعد انطلاق المحادثات رسمياً هو في الغد، ففي "علم التفاوض" أن 24 ساعةٍ على البدء هو وقتٌ طويلٌ جداً، قد يحمل الكثير من المفاجآت، تحديداً في حالةٍ كالحالة السورية وما فيها من تشعباتٍ وتعقيداتٍ قد تطيح بهذه المفاوضات بشكلٍ كامل، وقد تعيد ترتيب الأولويات، لأن الحديث عن حكومة وحدةٍ وطنيةٍ موسعةٍ- لا علاقة بالمناسبة للمبادرة الإيرانية بهذا الأمر؛ هذا الأمر طرحه الروس أولاً- وتعديلٍ للدستور يبدو أنه أشبه بسحبٍ الأسلحة الكاملة من المعارضات السورية، فهل سيقبلون بها؟

 

جنيف 3 سيكون للنسيان، والوقت ينفد، والجيش السوري يتقدم بتسارعٍ مقلقٍ لهم، وزيارة وزير الدفاع الأردني وما تلاها من زيارةٍ لوزير الدفاع السوري لموسكو يعني تماماً أن العاصمة الروسية الآن باتت محجاً للراغبين بالهروب من شبح الخروج المذل، فماذا عن "العدالة والتنمية" والحديث عن مغامرةٍ ما في "جرابلس"؟

 

ربما أن "العدالة والتنمية" ومن معه من مشيخاتٍ ومعارضاتٍ وتنظيماتٍ إرهابيةٍ بدؤوا حياتهم بالاستدانة، والآن حان وقت التسول، لكن ليتذكروا أن أحطَّ أنواع التسولات.. هو تسول المكانة.. والأمثلة حاضرةٌ أمامكم..
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=31162