وجهات نظر

باختصار : أحلام دونكيشوتية

زهير ماجد


الوطن  العُمانية - الإعلام تايم

في مرحلة الانتصارات العسكرية الذي حصل ويحصل على الجبهات السورية، يصاب أهل العدوان من ترك وعرب وغرب بالغثيان وربما بخسارة الوزن رغم أنه مفيد أحياناً.


فالذي خطط له هؤلاء تبخر، والآمال التي تم تبادلها بين عواصمهم لم تعد موجودة، فقد كانت هذه العواصم على اتصالات دائمة وربما كل ساعة لتزف أخباراً فيما بينها في تلك الأيام التي ظن فيها أهل الظن أن كل شيء في صالحهم، ولم يبق سوى الفصل الأهم الذي راودهم وكل تلك الحروب القذرة إنما خيضت من أجله وهو إسقاط الرئيس الأسد.


مرت الشهور، أحيانا يصبح اليوم بمثابة دهر، وبعض الأحيان تصبح السنة كأنها يوم .. ظن أهل الظن الخاسئون أن الدنيا ستبتسم لهم، وما اعتقدوا لحظة واحدة بأن سورية ليست دولة من دول الموز، إنها أمة، مدرسة في التاريخ، علم في الجغرافيا، عقيدة في رأس وعيون أناسها .. لم يعرفوا لماذا الهبة الفلسطينية لا تنطفئ رغم الإغارة الصهيونية الهائلة عليها؟ ولماذا ينتصر حزب الله في حربه ضد "إسرائيل" عام 2006؟ ولماذا ينتصر العراق؟ ثم والأهم تلك الـدمشق الساحرة الغنية بتقلبات الزمن ومعايشة من مر ومن سيمر ونبذه ساعة تشاء، سوى أنها الشام الأم التي تمسح ضباب قاسيون كعاشقة، ويمتد بها النظر ليحنو على تفاصيلها الجغرافية الممتدة حتى حشاشة قلبها.


تلك الشام، وأي شام تكون حين تصيبها مصيبة سوى أنها كالنسر الذي ينقض على فريسته ساعة الصراع، هي عالم مرت عليه أقوام من الطغاة لكنهم رحلوا، كلهم إلى مزبلة التاريخ، وظلت عروساً مقيمة يتراكم الندى على جبينها كلؤلؤ وألماس.


أتغزل بالشام لأني أعرف سحر الزمن الذي مر عليها وكانت فيه عنواناً للبطولة التي ظلت في روحها وتستعيدها ساعة تشاء، أغبط نفسي لأني شامي حتى العظم، ومن سلالة من بثوا خلايا قوتهم كي تظل تلك العروس على جمالها وعلى ألقها وعلى نبضها مرتاحة إلى شهادة التاريخ بها.

لم يعرفوا تلك الشام، ظنوها قابلة للكسر وهي لا تكسر ولا تعصر .. ثم افترضوا أن حزبها العقائدي مر الزمن عليه فلربما أكله الغبار، لكنهم لم يعرفوا أن العروبة أكثر من عقيدة ومن طموح، هي التجدد الدائم كأي شباب لن يصل شيخوخته.


اليوم يكتشفون أن أفكارهم دونكيشوتية، وكذلك هزيمتها دونكيشوتية، وأنهم خسروا الرهان لكن لا تراجع عن الغايات التي إن لم تصب المرة فقد تصيب، إلا أنهم سيجربون آلاف المرات، فلن يخدش جبين الشام الذي طوى التاريخ ولم ينطوِ.


تملك الشام كل وسائل القوة؛ لأن رغبتها في أن تظل عروس الزمن في كل خالاته، قائمة منذ جغرافيتها الكبرى، وحين كانت دمشق ليست فقط عاصمتها الأبدية، بل العنوان الذي شغل العالم ولم يتسنَّ له أن يغير هالتها.


هؤلاء الدونكيشوتيون لا يملكون سوى التجربة المرة، من مواقع يأسهم يتصرفون، من تبادل عبارات الأسى فيما بينهم يكتبون خسائرهم.


لن يكون لهم ما خططوه، فبعد خمس سنوات، ولتكن خمسينا، ستظل الشام العصية قلب العروبة ليس النابض فقط بل الجامع الذي حمى جغرافيته من كل غازٍ لم يعرفها على حقيقتها.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=30593