وجهات نظر

باختصار : ذاكرات تعرّف عن نفسها

زهير ماجد


الوطن العُمانية - الإعلام تايم


هنالك ذاكرة حنونة وذاكرة مثقوبة بالحزن وأخرى سيئة وظالمة .. ثلاث ذاكرات تعيش في عقل المرء ولا تتركه منها، هي أشبه بقاعدته التي يرتكز عليها، ولهذا نرى من جمعها في مشوار حياته أنه لن ينجو من السؤال الكبير: لقد امتلأت خزانة عقلك فأيها تختار...


بالطبع الحنونة لأنها الحميمة الباقية في وجدان متصل بالحياة، أن يظل جمال عبد الناصر وأمثاله من القامات العالمية المعاصرة له مكتوبين في سطر الأمجاد المقروء لديك، فهي الصحة النفسية في أبهى مراحلها.


ربما بالنسبة لي فإن ميلاد عبدالناصر في منتصف هذا الشهر تقريباً حدث استثنائي ومواكبة لعمر رجل كان قليلا لكنه عاش طويلاً ويعيش أطول كلما أردنا أن نعيده إلى الواقع الذي نحتاجه، وكفى بالأمة أنها في جانب الذاكرة الحنونة تعيش ايقاعاً صاخباً عبر عن أملها في ان تكون ذات شأن، لذلك كانت القطرية حالة نشاز، احتقاراً للذات الوطنية .. عندما سأل نهرو عبد الناصر عن أن مصر ليست دولة نامية بل هي دولة كبرى، رد عليه بأن مصر كبيرة بأمتها العربية، أليس مثل هذا الكلام يدفىء الروح ويحبس مطراً في العيون المنفتحة على هذا النوع من الذاكرات التي كيفما قلبتها ستجد فيها الأجمل .. لعل المثل الشعبي الذي يقول إن كل يوم يمر لايأتي مثله حقيقي وفي الصميم.


لا يترجم ذاك الزمن سوى باللغة الإنسانية، نتعلق به لأنه متجذر فينا مثلما هي الجذور في التربة، إنه الأحن علينا من كل ذاكرة لاتليق بالخبرة والعمر وبالإحساس والعاطفة النبيلة، وهو الأقدر دائماً أن يجعلنا أصحاء النفس والبدن.


أما عالم الذاكرتين الحزينة والسيئة الظالمة، فهي كل شهقة على خسارة الذاكرة الحنونة التي طوت تلك الأسماء فغيرت تاريخاً لتبقي بعض الأنجاس يتحكمون بالبشرية ومنهم العرب ويقلدونها المصاب تلو الآخر، وخصوصاً العرب الذين استفاقوا منذ خمس سنوات على واقع أخذ بهم إلى فكرة الكيان والبقاء، لهذا نتعلق بسورية حالياً ونتمسك بخلاص العراق، وندعو لصبر ليبيا، ونحبس الأنفاس من أجل العزيزة مصر، وما زالت فلسطين في كل ذلك بوصلتنا وحقيقة وجودنا.


نخاف الذاكرة الحزينة لأنها أيضاً سيئة وظالمة .. بل لأنها خسرتنا ما مررنا به من بهجة سنين ومن معاني وجود عربي وعالمي وإنساني تستحق الحياة هكذا كان هدفنا النبيل ونحن نعيش زمن عبد الناصر ونطير مثل الفراشات مع أفكار عربية زرعت في العقول والقلوب وبدت كأنها قاب قوسين أو أدنى من التحقق. الصدمة في العام 1967 حققت مكاسب لأولئك الذين مازالوا إلى اليوم يحملون في دمهم ذاكراتنا السيئة والحزينة والظالمة لأنهم مثلوها، فكيف يمكن للإنسانية أن تطردهم من ملكوتها ليعيش هذا الجمع العربي حلمه الأجمل بفقدانهم.


كان أحد أصدقائنا الشعراء المعروفين يرددون كلما ادلهم الوضع العربي إن" بطن الأرض خير من ظهرها" إذا وصلنا إلى تلك المعادلة التي يعاد فيها ايقاع الماضي بأسماء مختلفة، أي بمحاولة القضاء على كل ظاهرة نبيلة في هذه الأمة كأنه لم يبق غيرها من تلك البقايا التي استندت إلى تاريخ طاهر.


تعلمنا الذاكرة الحنونة أننا لازلنا على قيد الحياة، منها نستمد القدرة على التنفس السليم وبها نعيش.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=30367