تحقيقات وتقارير

تنبؤات مستقبلية بين العلم والدين


ربى شلهوب - الإعلام تايم 

"كذب المنجمون ولو صدقوا" عبارة شهيرة لا تحتاج إلى الكثير من التفسير، لكن رغم وضوحها وعلمنا بما تعني، فمعظمنا إن لم يكن جميعنا مع نهاية كل عام، نترقب ما سيقوله لنا المنجمون والمتنبئون الذين يحتلون الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، ويحجزون حيزاً كبيراً متصدرين قنوات التلفاز والراديو والصحف، وينهالون على الجمهور المتابع بسيل من "توقعاتهم" عن الأحداث القادمة بالمنطقة والعالم.

 

هي توقعات تطرح تساؤلات تغلف بعبارات عامة وغامضة ومطاطة عن مصير الشعوب في العالم، فهل هي واقع أم خيال؟ وما رأي العلم والدين في هذه الظاهرة وفي تعلّق الإنسان بمعرفة المستقبل وما يخبئه له في الأيام القادمة؟

 

تساؤلات أجابت عليها الدكتورة خيرية أحمد الاخصائية النفسية والتربوية، فقالت "لا يمكن إنكار علم الفلك لأنه علم قائم بذاته، ويستند إلى المجموعة الشمسية بما فيها الشمس والكواكب والقمر والزهرة والمريخ... الخ. ولهذا العلم متابعيه ومعجبيه المتأثرين فيه، وقد يصل التأثير إلى حد الإدمان".

 

مضيفة أن "هناك أفراد يلتفتون إلى توقعات الأبراج وذلك لأن الإنسان لديه شغف للتنبؤ بمستقبله القريب أو البعيد، ولديه فضول لتحليل شخصيته وفهم ذاته، وتصبح لديه طقوس يومية أو سنوية خاصة لهذه التوقعات".

 

واعتبرت أحمد, المحاضرة في كلية التربية بجامعة دمشق، أن رؤية المستقبل لها أهمية كبيرة للناس ويسعون دائماً إلى أي بصيص أمل في كل جوانب حياتهم، وهذا البصيص يزرع التفاؤل ويمكن أن يشعر الفرد بالارتياح والحماس إلى مواجهة الحياة بنشاط، مضيفة أنه في بعض الأحيان يمكن أن يكون له ردة فعل سلبية أيضاً وقد يؤثر كثير على مزاج الفرد فيحبطه ويتكون لديه أفكار لاعقلانية وغير منطقية، وجميع هذا الأفكار والعواطف الناتجة عن توقعات الأبراج سواء كانت الايجابية والسلبية ستؤثر بشكل كبير على حياة الفرد في العديد من المجالات.

 

وأضافت أحمد أن "للتوقعات انتشار واسع فالأخذ بها لمجرد التفاؤل والتسلية دون الاعتقاد بها، وجعلها شيء مؤثر في حياة الفرد بشكل كبير، أمر طبيعي مع جعل العقل هو المرجع الأساسي للأمور الحياتية القادمة والحاسم في اتخاذ أهم القرارات كالزواج وصفقات العمل والسفر وغيره.. وهذا ما تؤكده مقولة العالم "ونستون تشرتشل": "امبراطوريات المستقبل هي امبراطوريات العقل".

 

وللدين رأي آخر، فالشماس حنا الجط، بدأ حديثه بآية من الكتاب المقدس بالعهد القديم  "لا يكن بينكم من يمارس العلم بالغيب ولا السحر ولا الفأل"، وأضاف أن الرب هو حماية المؤمن مهما كانت الظروف، فإذا كان الرب يهتم بطيور السماء ألا يهتم بخليقته، فالرب خلق الإنسان لأنه يحبه، خلق له كل شيء وكلله بالمجد والكرامة وسلطه على كل شيء، مؤكداً أنه أمام هذا الحب والاهتمام العظيم من الرب كيف للإنسان أن يستشير المتنبئين، السبب الوحيد لذلك أنه لا يثق بإلهه العظيم.

 

ووجه الشماس الجط  دعوة لكل الأشخاص الذين يتبعون الأبراج ويتفاءلون بالحظ  أن يبتعدوا عن متابعتها، مستشهداً بآية من الكتاب المقدس " توبوا وآمنوا بالانجيل"،  كما وجه دعوة للمتنبئين بقوله "ابتعدوا عن هذه التوقعات لأن المستقبل بيد الرب وهو سيد الزمان والتاريخ والظروف".

 

أما الشيخ خالد القصير المسؤول الإعلامي للفريق الديني الشبابي في وزارة الأوقاف وخطيب جامع بعيرة بدمشق فأكد أن "كذب المنجمين الذين يعلنون نبوءات قبل بدء العام الميلادي الجديد، وادعائهم بمعرفة أحداث مستقبلية تدخل في الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله تعالى"، منوهاً أنه على الانسان معرفة أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وأنه النافع الضار، وأنه من الشرك بالله أن يعتقد الشخص أن لغير الله من الإنس أو الجن أو غير ذلك تأثيراً في معرفة الغيب، أو كشف الضر والبلاء أو النفع له.

 

وأوضح القصير أن "المنجمين يدعون معرفة بعلم الغيب ، وهو نوع من الدجل حتى وإن تحقق بعض هذه الأمور مصادفة لأن عالم الغيب والشهادة هو الله سبحانه وتعالى، ولم يظهر سبحانه وتعالى على هذا الغيب إلا من ارتضى من رسول أو نبي ، قال تعالى : "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا"، ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تصديق هؤلاء المنجمين، فقال صلى الله عليه وسلم : "من أتى عرَّافاً فصدقه بما يقول لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً"، مؤكداً أن مقولة " كذب المنجمون ولو صدقوا " ليست حديثاً نبوياً وإن كان معناها صحيحاً، مضيفاً أنه بسبب مخافة أن يفتن البسطاء بأفكار هؤلاء المشعوذين جاء تحذير الحكماء بالتأكيد على كذب المنجمين حتى وإن صادفوا الواقع .

 

ويرى الشيخ القصير أن التنبؤ بالغيب والمستقبل يختلف عن علم الفلك الذي هو علم من أهم العلوم التي اعتنى بها علماء الإسلام الأولون، وهو يتعلق بالمحسوسات ولا يتعلق بالغيبيات، حيث يتعلق بنواميس الكون، ورصد مواضع الأجرام السماوية وحركتها كالشمس والقمر والكواكب والنجوم، وتحديد مواعيد الصيام والحج والصلاة وغيرها من الأمور .

 

وفي نهاية حديثه طالب القصير بعدم الالتفات لمثل هؤلاء المنجمين الذين يجعلون الناس يتعلقون بغير الله تعالى، ويسيرون في ركب الخرافات والدجل الذي يورد صاحبه المهالك في الدنيا والآخرة .

 

إذاً "كذب المنجمون ولو صدقوا" لا ضير من متابعة ما يبثه هؤلاء المنجمون والمتوقعون لكن علينا عدم الانغماس والغرق فيما يقولون، فلنحكم العقل!

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=30229