وجهات نظر

عام الحقائق المتدحرجة ..!!

علي قاسم


الاعلام تايم_صحيفة الثورة

يطوي العام ملفاته ويجمع أوراقه بهدوء رغم الضجيج والصخب، بعد أن تمكن من تكريس وجوده في ذاكرة المنطقة والعالم على أنه عام الحقائق المتدحرجة، وربما كان في موضع آخر عام الاصطفاف السياسي وإعادة التموضع على ضفتي المشهد العالمي، حيث الفارق بين ما بدأه وما أنهاه يكاد يصل حدود التغيير في الحسابات والمعادلات المستجدة في العلاقات الدولية.‏

غير أن هذا لا يعني في أي حال من الأحوال أنه استطاع أن ينهي ما علق من ملفات أو أن يسوي ما استجد منها، ولا أنه استنفد أغراضه واستخدم ما تجمع لديه من فائض أوراقه، حيث ما رحّله أكثر بكثير مما تم الانتهاء منه، وما أجّله أكثر مما بتّ به على قاعدة أنها ستبقى بنداً إضافياً على أجندات لم يتمكن من حسمها.‏

وهذا ما يدفع إلى الجزم بأننا أمام امتداد لم ينته هنا، ولن ينتهي في القريب العاجل، بحكم أن الكثير من الأزمات التي تعصف بالعالم لا تزال ذاتها التي تؤرق المنطقة شعوباً ودولاً، حيث يقف الإرهاب واحداً من أهم التحديات التي يمثل تلون مواجهته شكلاً من وجوه النفاق الغربي المتواصل، خصوصاً أن الحقائق التي تدحرجت أمام العالم من بداهة التناغم الغربي في مصالحه وأطماعه مع أجندات الإرهاب، لم تغيّر كثيراً في المقاربات الغربية التي بدت في أغلبها تقف عند الحافة ذاتها، ولم تُحدث ذلك التعديل الجوهري في محاكاة المخاطر الناتجة عنها.‏

وحدها بعض الدول الإقليمية بأدوارها الوظيفية تبدو في حرج لم تعرفه من قبل، وكثير منها يُقلِّب مواجع دورها المشبوه وضبابية مستقبل مهمتها الوظيفية في إطار خدمة المشروع الغربي وتقف على مفترق طرق، وسط حالة من الارتباك والتشظي الناتجة عن رعونة الخيارات التي أقدمت عليها، وأغلبها يتساوى في وجوده وفي المأزق الذي يواجهه على مدار الأعوام الماضية، حيث ما تراكم سابقاً تكفّل العام الذي يتحضر للرحيل بإظهاره إلى العلن على شكل أزمات بنيوية حادة ووجودية في الكثير من عناوينها.‏

وفيما أوروبا تواجه معضلة نزع شوك ما زرعت في المنطقة.. وما رعت.. وما احتضنت.. وما صادقت وتحالفت، نجد أميركا لا تزال تراهن على إدارة الخراب والدمار في المنطقة حتى إشعار آخر، وسط موجة من الدوافع والهواجس المرعبة التي شغلت يوميات صانع القرار الأوروبي على مختلف مستويات وجوده ودوره وحضوره، خصوصاً بعد أن شهدت إماطةً للثام عن تلك الأدوار المشبوهة التي استفاقت فيها أطماعها الاستعمارية، وأحلام السيطرة والهيمنة بنموذجها الجديد، ودورها المتجدد في الاستغلال والاحتلال.‏

القائمة التي يحملها تطول وتمتد من الاتفاق النووي مع إيران ولا تنتهي عند حدود التموضع على جبهات مواجهة لم تكتمل ملامح حضورها، ولم تنتهِ بعد الانزياحات داخلها، حيث روسيا تسجّل حضوراً لافتاً يعيد للمشهد الدولي توازنه، ويعيد ضبط إيقاعه وفق التوقيت الروسي، فيما الإرهاب والداعمون له لا يزال رهانهم قائماً على مفارقات العلاقة وما تحتويه بين السطور من بقايا أوهام عابرة في فناء التصادم على امتداد الفضاء الدولي، على خلفية العقائد المتبدلة والمصالح المتعدلة، وربما الأطماع المتجذرة في العقل الغربي.‏

عام الحقائق المتدحرجة لم يكتف برسم إحداثيات الخرائط في المشهد الدولي، بل يمضي في تحبير النقاط التي شكلت حتى اللحظة نقطة التحول الكبرى، في عالم يموج بنذر المخاض الصعب الذي تلوح مشاهده في أفق العلاقات الدولية المتأرجحة بين تصاعد حدة التهديدات والمخاطر، وبين صعود مؤشرات تعددية قطبية تخفف من حدة الاحتكاكات لكنها لا تمنعها ولا تحول دونها، خصوصاً مع بقاء الغرب وأدواته في المنطقة مصراً على الحالة الوظيفية للإرهاب رغم ما ظهر وما بان من فضائح تلك العلاقة والتورمات والاستطالات المرضية الناتجة عن ذلك.‏

عام يمضي فيه السوريون في مهمتهم المقدسة لمواجهة الإرهاب وأذرعه في السياسة وفي الميدان وفي الإعلام وفي الدبلوماسية وعلى مختلف المحاور والجبهات، مدفوعين بما حققته قواتهم المسلحة من إنجازات على الأرض، وبما تمكنوا من رسمه فعلياً على خارطة المواقف الدولية، حيث خطوط الإرهاب وداعميه تتدلى خيوطها المترهلة وتتوضح معالم تقاطعاتها، وقد أسرفت في استنفاد طاقات مشغليها الذي يبحثون عن تحالفات ورقية تعيد رسم الاصطفاف الإقليمي بنسخ مكرورة تعاكس مايتحقق عالمياً، وتحاول عبثاً أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء..!!‏
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=29957