وجهات نظر

السوخوي.. على حق

عبد المنعم علي عيسى


الوطن - إعلام تايم

 

لعلّ التداعيات التي ستنجم عن مؤتمر الرياض (9+10/12/2015) لم تختمر كلها بعد، هذا إضافة إلى أن البعض منها كما يبدو من النوع الذي لا تتضح معالمه إلا على المدى المتوسط، إلا أننا لسنا بحاجة إلى جهد كبير لتلمّس ثقل الصخرة التي وقعت في البحيرة التي لم تكن راكدة أصلاً، فها هو الجدل الواسع يغطي مساحة كل الخرائط على امتداد رقع المعارضة على اختلاف مشاربها، وهو من القوة بحيث يهدد بزعزعة الجذور إن لم يكن خلعها بالكامل، وأخطر ما فيه هذه المرة أن نتائج «الرياض» ستكون عموداً فقرياً تتموضع حوله الأضلاع بعد أن تكون قد خضعت لعملية إعادة فرز لها تبعاً لمواقفها المعتمدة من مؤتمر الرياض، بينما الانقسام الآن لن يكون فقط بين الفصائل بل سيتعداها ليصل هذه المرة إلى داخل كل فصيل على حدة ليتمحور الكل في تيارين اثنين كانا حتى الأمس القريب على قلب واحد أو الأصح على برميل نفط واحد: الأول تيار متصلب تصعيدي يعارض العملية السياسية التي جاء بها القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن 18/12/2015 بل يعارض أيضاً أي تسوية سياسية محتملة يمكن أن تقترح لإيجاد حل للأزمة السورية.


الثاني: تيار تسووي مهادن يرى أن مصالحه (الميليشيوية) تتطلب الآن الاستجابة للمطالب الإقليمية والدولية التي توصي بالولوج في التسوية السياسية المرتقبة، وفي داخل هذا التيار يمكن ملاحظة جنين صاعد يشق طريقه بقوة نحو فرض نفسه أو مصالحه الشخصية بعد أن تمكن أصحاب هذا التيار من استثمار الأزمة لتحقيق قفزة نوعية نقلتهم إلى طبقات عليا على سلم الثروة، هؤلاء أشد حماساً لإنجاز تسوية سياسية إذ لطالما كان المال ولا يزال بحاجة إلى اللباقة والاستقرار بعيداً عن الخشونة والمقامرة، وخير من يمثل هؤلاء هما الأخوان نحاس (لبيب+كنان) الأول مسؤول العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام والثاني عضو مجلس شورى وعضو مكتب سياسي فيها، تميز الأخوان بقدرتهما على معرفة «من أين تؤكل الكتف» كما أتقنا الاستثمار داخل عذابات الناس وجوعهم، ففي حصار حمص (تشرين الأول 2012- آذار 2013) تقول تقارير ميدانية إن سعر الكيلو الواحد من البندورة قد بيع بعشرة آلاف ليرة سورية كما تقول تلك التقارير إن «أتاوة» العبور على معبر باب الهوى الذي سيطرت عليه الحركة منذ أواخر العام 2013 هي مئة دولار لا تنقص سنتاً واحداً (كانت تعادل ثلاثين ألف ليرة سورية لتتدرج فيما بعد إلى الأربعين ألفاً) هذا التراكم فرض واقعاً جديداً على الأخوين لنرى الأول (لبيب) يقود تياراً عابراً للفصائل لتبني الدخول في التسويات المرتقبة بينما الثاني (كنان) نزع بزته العسكرية كما رمى الحزام الناسف الذي كان لا يفارق خصره ليرتدي ثياباً جديدة تتناسب مع الوضع الجديد، هذا النموذج موجود في العديد من الفصائل وهو يرى أن الاستقرار بات يمثل المطلب الأول بعدما أضحى المال متوفراً بل غير قابل للنفاد.


حتى الآن لا يمكن القول إن تيار التسوويين هو الأقوى داخل تلك الفصائل إلا أنه نامٍ بسرعة بدعم مراكز قوى داخلية (داخل الفصائل) وبدعم الخارج الذي أدت شدة الارتباط به إلى الارتهان كلياً لرغباته مهما علت سقوفها، مع الإشارة إلى أن هؤلاء قد وضعوا في اعتباراتهم أن المرحلة القادمة ستحمل المزيد من المطالب بما فيها إعلان الحرب على تيار “التصلب” كطريق وحيد لإخراج هؤلاء من المعادلة السياسية والعسكرية القائمة تمهيداً لإفقادهم القدرة في التأثير في المسارات السياسية المقبلة.


تظهر دعوة الإرهابي السعودي عبد الله المحيسني التي أطلقها من سيارة إسعافه 20/12/2015 بضرورة حل جيش الفتح والدعوة إلى تشكيل جبهة سياسية – عسكرية عريضة، تظهر تلك الدعوة حرج الموقف الذي آل إليه تيار التصلب الذي يمر اليوم بمرحلة خريف العمر التي تضيق فيها الخيارات حتى لن يتبقى منها أمام هؤلاء سوى الاستقواء بالأشقاء في جبهة النصرة وفي تنظيم الدولة الإسلامية.
ما يعترض اتحاد الفصائل الإسلامية فيما بينها عائق بنيوي عميق من المستحيل إزالته فالانشقاق أو التشرذم هو مسار حتمي ولن يقف عند حد معين ما دام من الممكن أن يحدث على خلفية فتوى تحدد الموقف من ربطة العنق وما حكم الشرع فيها من دون أن نغفل أن تلك الظاهرة تنتج في جميع حالاتها ومن دون استثناء فصائل متقاتلة أشد عدائية فيما بينها من العداء التقليدي القائم مع خصومها السابقين
يقوم النهج الذي تعتمده الحركات الإسلامية المتطرفة لاستقطاب الشارع أو المناصرين وكوادر الشباب تحديداً منهم على قاعدة تقول إن الأمة لم تكن في تاريخها أقوى وأكثر قدرة مما كانت عليه زمن الخلافة الإسلامية ولذا ما من سبيل آخر إلا بالعودة إليها.


وهي تعتمد في ذلك على برنامج شمولي عنفي يبدو أنه يمني الذات العربية ويوقظ فيها حلماً دفيناً، ثم يذهب (ذلك البرنامج) إلى تكليف المريدين بتلك المهمة لكي يكونوا وريثي ذلك الحلم وعلى أكتافهم هم تقع مسؤولية تحقيق هذا الأخير.


في تجارب التاريخ لا حرب للحرب فقط وإنما للحصول على مكاسب معينة وفي لغة السياسة هناك قاعدة مهمة تقول إن عليك أن تتعلم كيف تهزم قبل أن تعرف كيف تنتصر وفي التحولات السياسية لا مكاسب من دون أوجاع، ومن يدخل معمعة الحروب يجب أن يكون واضعاً في حساباته قبل أن يطأ أرضها أنه يجب أن يكون مستعداً للدخول في معمعة المفاوضات وفي أي لحظة تنضج فيها ظروف هذه الأخيرة.


الآن تلوح في الأفق فرصة كبرى للعودة إلى زواريب السياسة التي هجرها أهلها في سورية منذ ما يقرب من نصف عقد من الزمن ليحتكموا إلى لغة السلاح التي اقتربت حتى أَلْسُن الصغار من أن تتعلم لكنتها وهو أمر إذا ما حدث فإن خيارات البلاد ستكون محصورة في «الصوملة» و«الأفغنة» ليتعمق ذلك المشهد ويصبح من الممكن أن يطلق عليه «السورنة».
منذ منتصف العام 1960 سعى الملك السعودي سعود بن عبد العزيز عبر المال واستمالة بعض الساسة السوريين إلى إسقاط دولة الوحدة مع مصر، وهو ما تهيأ له في 28 أيلول 1961 إلا أن الحكومة التي أوصلتها أموال سعود إلى الحكم سرعان ما انهارت وكان أن سِيْقَ جميع أعضائها المتورطين إلى المحاكم فيما عرف آنذاك بقضية «الدندشي» فهل سيكرر التاريخ نفسه أم إن «المصلحة الوطنية» تقضي بغير ذلك؟

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=29867