في ظل تصاعد التوتر في العلاقات الروسية ـ التركية على خلفية إسقاط القاذفة الروسية «سوخوي ـ 24»، كثفت موسكو بقوة علاقاتها العسكرية مع أرمينيا، التي تربطها أزمة أزلية بتركيا بسبب إبادة الأرمن في 1915. لقد تعمق التحالف بين روسيا وأرمينيا مع وصول فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة في روسيا للمرة الأولى في العام 2000. وتؤكد أرمينيا على أعلى المستويات أن روسيا تعد شريكاً وحليفاً استراتيجياً لها. وتحتل روسيا المركز الأول بين شركاء أرمينيا الاقتصاديين، إذ تُلبي موسكو بالكامل احتياجات أرمينيا من الغاز الطبيعي والوقود النووي بأسعار مخفضة. وتحتاج أرمينيا بشدة إلى روسيا في صراعها مع أذربيجان على منطقة «ناغورني قره باغ»، حيث لا يخفى أن القوات الروسية ساعدت أرمينيا في مطلع تسعينيات القرن العشرين في الاستيلاء على هذه المنطقة، واحتلال نحو 20 في المئة من الأراضي الأذربيجانية. أما موسكو، فتحاول ومنذ سنوات عدة العثور على حل سياسي لهذا النزاع على اعتبار أن روسيا تعد طرفاً في الوساطة الدولية ورئيساً مناوباً لمجموعة مينسك، الخاصة بتسوية النزاع تحت رعاية «منظمة الأمن والتعاون الأوروبي». كما أن موسكو بين الفينة والأخرى تسعى بشكل «منفرد» الى مساعدة باكو ويريفان في البحث عن حلول مقبولة للجانبين. لكن كل هذه الجهود لم تكلل حتى اليوم بالنجاح، ولذلك نرى الرئيس الأذري، إلهام علييف، يهدد من حين إلى آخر باستخدام القوة لاسترجاع «قره باغ»، التي يعتبرها جزءاً لا يتجزأ من بلاده. وتدرك القيادة الروسية أن أي مواجهات قد تتجدد بين أرمينيا وأذربيجان لن تكون محدودة، مثلما كانت عليه الحال في السابق. وهي تعرف أن أي صدام مسلح جديد بين البلدين قد تتسع رقعته هذه المرة، وربما يتحول إلى مصدر تهديد للأمن القومي الروسي ولأمن كل دول حوض بحر قزوين الغني بالغاز والنفط، الذي يشكل أحد عناصر التنافس الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة. ولدى روسيا قاعدة عسكرية في أرمينيا، جرى تمديد فترة وجودها فوق الأراضي الأرمينية في العام 2010 حتى العام 2044، عبر توقيع اتفاقية جديدة بين البلدين توسع من مهام القوات الروسية في منطقة «غيومري» الواقعة غرب أرمينيا على الحدود مع تركيا. وتُعرف القاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا بـ «القاعدة رقم 102»، وتعد من أهم المواقع العسكرية الروسية في منطقة ما وراء القوقاز، حيث تقع على بعد 126 كيلو متراً شمالي العاصمة يريفان. وتأسست هذه القاعدة في العام 1995، فوق ما تبقى من قوات سوفياتية على الأراضي الأرمينية. غير أنه في فترة التسعينيات من القرن الماضي، في عهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، عانت هذه القاعدة من الإهمال الشديد على خلفية التدهور الاقتصادي الكبير في روسيا. لكن مع استلام فلاديمير بوتين السلطة في موسكو، جرى إحياء القاعدة العسكرية ضمن منظومة روسية من القواعد العسكرية الأخرى في روسيا البيضاء وأوكرانيا وقيرغيزستان وطاجيكستان، وبعد ذلك في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، الإقليمين المنفصلين عن جورجيا، بهدف خلق منطقة عازلة أمام محاولات الولايات المتحدة وحلف «الناتو» وأعضائه لحصار روسيا.
وتقوم القاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا بمهامها القتالية ضمن منظومة الدفاع الجوي المشتركة لـ «رابطة الدول المستقلة»، التي تأسست على أنقاض الاتحاد السوفياتي السابق. وهذه القاعدة مزودة بمنظومات صواريخ «إس ـ 300» و «إس ـ 200» للدفاع الجوي، إضافة إلى 30 طائرة مقاتلة من نوع «ميغ ـ 29»، ونحو 5000 ضابط وجندي روسي و74 دبابة و84 نظاماً مدفعياً. |
||||||||
|