وجهات نظر

موسكو تضغط عسكرياً على أنقرة

هاني شاكر


في ظل تصاعد التوتر في العلاقات الروسية ـ التركية على خلفية إسقاط القاذفة الروسية «سوخوي ـ 24»، كثفت موسكو بقوة علاقاتها العسكرية مع أرمينيا، التي تربطها أزمة أزلية بتركيا بسبب إبادة الأرمن في 1915.
فقد وقع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونظيره الأرميني سيران أوغانيان، في الثالث والعشرين من كانون الأول الجاري، اتفاقا لإنشاء نظام إقليمي موحد للدفاع الجوي بين البلدين في منطقة القوقاز. علماً أن روسيا تعمل حاليا على إنشاء نظامين موحدين للدفاع الجوي مع كل من قرغيزستان وطاجيكستان، كما أنها وقعت مع كازاخستان اتفاقا مماثلا في العام 2013، وجرى توحيد نظام الدفاع الجوي الروسي والبيلاروسي قبل ذلك بسنوات عدة.

لقد تعمق التحالف بين روسيا وأرمينيا مع وصول فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة في روسيا للمرة الأولى في العام 2000. وتؤكد أرمينيا على أعلى المستويات أن روسيا تعد شريكاً وحليفاً استراتيجياً لها. وتحتل روسيا المركز الأول بين شركاء أرمينيا الاقتصاديين، إذ تُلبي موسكو بالكامل احتياجات أرمينيا من الغاز الطبيعي والوقود النووي بأسعار مخفضة. وتحتاج أرمينيا بشدة إلى روسيا في صراعها مع أذربيجان على منطقة «ناغورني قره باغ»، حيث لا يخفى أن القوات الروسية ساعدت أرمينيا في مطلع تسعينيات القرن العشرين في الاستيلاء على هذه المنطقة، واحتلال نحو 20 في المئة من الأراضي الأذربيجانية. أما موسكو، فتحاول ومنذ سنوات عدة العثور على حل سياسي لهذا النزاع على اعتبار أن روسيا تعد طرفاً في الوساطة الدولية ورئيساً مناوباً لمجموعة مينسك، الخاصة بتسوية النزاع تحت رعاية «منظمة الأمن والتعاون الأوروبي». كما أن موسكو بين الفينة والأخرى تسعى بشكل «منفرد» الى مساعدة باكو ويريفان في البحث عن حلول مقبولة للجانبين. لكن كل هذه الجهود لم تكلل حتى اليوم بالنجاح، ولذلك نرى الرئيس الأذري، إلهام علييف، يهدد من حين إلى آخر باستخدام القوة لاسترجاع «قره باغ»، التي يعتبرها جزءاً لا يتجزأ من بلاده.

وتدرك القيادة الروسية أن أي مواجهات قد تتجدد بين أرمينيا وأذربيجان لن تكون محدودة، مثلما كانت عليه الحال في السابق. وهي تعرف أن أي صدام مسلح جديد بين البلدين قد تتسع رقعته هذه المرة، وربما يتحول إلى مصدر تهديد للأمن القومي الروسي ولأمن كل دول حوض بحر قزوين الغني بالغاز والنفط، الذي يشكل أحد عناصر التنافس الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة. ولدى روسيا قاعدة عسكرية في أرمينيا، جرى تمديد فترة وجودها فوق الأراضي الأرمينية في العام 2010 حتى العام 2044، عبر توقيع اتفاقية جديدة بين البلدين توسع من مهام القوات الروسية في منطقة «غيومري» الواقعة غرب أرمينيا على الحدود مع تركيا. وتُعرف القاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا بـ «القاعدة رقم 102»، وتعد من أهم المواقع العسكرية الروسية في منطقة ما وراء القوقاز، حيث تقع على بعد 126 كيلو متراً شمالي العاصمة يريفان. وتأسست هذه القاعدة في العام 1995، فوق ما تبقى من قوات سوفياتية على الأراضي الأرمينية. غير أنه في فترة التسعينيات من القرن الماضي، في عهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، عانت هذه القاعدة من الإهمال الشديد على خلفية التدهور الاقتصادي الكبير في روسيا. لكن مع استلام فلاديمير بوتين السلطة في موسكو، جرى إحياء القاعدة العسكرية ضمن منظومة روسية من القواعد العسكرية الأخرى في روسيا البيضاء وأوكرانيا وقيرغيزستان وطاجيكستان، وبعد ذلك في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، الإقليمين المنفصلين عن جورجيا، بهدف خلق منطقة عازلة أمام محاولات الولايات المتحدة وحلف «الناتو» وأعضائه لحصار روسيا.

وتقوم القاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا بمهامها القتالية ضمن منظومة الدفاع الجوي المشتركة لـ «رابطة الدول المستقلة»، التي تأسست على أنقاض الاتحاد السوفياتي السابق. وهذه القاعدة مزودة بمنظومات صواريخ «إس ـ 300» و «إس ـ 200» للدفاع الجوي، إضافة إلى 30 طائرة مقاتلة من نوع «ميغ ـ 29»، ونحو 5000 ضابط وجندي روسي و74 دبابة و84 نظاماً مدفعياً.
ولعل تعزيز روسيا لتعاونها العسكري بكثافة مع أرمينيا في الفترة الأخيرة ينبع من تحسب موسكو لاحتمال دفع واشنطن والدول الغربية وتركيا لأذربيجان نحو تجديد المواجهات العسكرية مع يريفان. ويمكن أيضا النظر لتكثيف التعاون العسكري الروسي الأرميني على أنه يمثل رسالة لمن يُفكر في إشعال الوضع بين أذربيجان وأرمينيا بأن الثمن قد يكون باهظاً. كما أن توثيق وتكثيف العلاقات العسكرية بين روسيا وأرمينيا وإنشاء نظام إقليمي موحد للدفاع الجوي بين البلدين في منطقة القوقاز يعطي إشارة كذلك لتركيا بأن رد الفعل الروسي على إسقاط الطائرة لن يقف عند العقوبات الاقتصادية. فقد توعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنقرة في الثالث من الشهر الجاري بأن رد بلاده لن يقتصر على العقوبات ذات الطابع الاقتصادي والتجاري.
إ
ن أنقرة تلعب تاريخيا في القوقاز، وهذا يمثل مصدرا لانزعاج الروس. ومن ثم يتعين إظهار «العين الحمراء»، كما ترى موسكو، للقيادة التركية في ظل تصاعد أزمتها مع القيادة الروسية، ولكن من دون أن تصل الأمور إلى حد المواجهة العسكرية بين البلدين، كما يؤكد المسؤولون الروس حاليا. كذلك، فإن موسكو تحاول الضغط عسكريا على أنقرة عبر مساعيها لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية في قبرص «اليونانية». ولذلك تحديدا زار وزير الخارجية الروسي قبرص مطلع كانون الأول الجاري. هذا ناهيك عن إفشال موسكو للمشروع التركي بإنشاء منطقة عازلة أو آمنة داخل الأراضي السورية. وكما نعلم، فإن الرئيس الروسي تحدى تركيا أن تخترق المجال الجوي السوري، حيث تُرابط منظومات صواريخ الدفاع الجوي الروسي الحديثة «إس ــ 400» في الأراضي السورية. واللافت أن هذا التحدي لا يشمل إسرائيل، التي تنسق عسكريا مع روسيا في سورية.
السفير

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=29778