وجهات نظر

القرار 2254 اختبار حسن النيات

عبد المنعم علي عيسى


على الرغم من أن القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن 18/12/2015 قد جاء متسقاً مع المتغيرات الإقليمية والدولية الحاصلة منذ مطلع العام الحالي والمستمرة في تقلباتها حتى لا تكاد ترسو على بر لها، وكذلك مع المتغيرات في خرائط السيطرة الميدانية التي شهدت هي الأخرى تغييرات كبيرة منذ أن انطلقت عاصفة السوخوي في 30/9/2015، على الرغم من ذلك فإن القرار المذكور لا يشكل مبرراً كافياً لنا –نحن السوريين- لكي نجمح بآمالنا بأكثر مما يجب أو بأكثر مما جمحنا بها في أعقاب صدور العديد من القرارات 2139-2199- 2170- 2178


المشكلة هنا لا تكمن –كما يقال- في غياب حالة التوافق بين الغرب وروسيا، فما تم التوافق عليه في السابق كان يمكن أن يمثل مرتكزاً مهماً لأي تسوية يمكن أن يكون السعي إليها جاداً، إلا أن المشكلة كانت –ولا تزال- في عدم نضوج التسوية في الذهنية الأميركية ما يحيل تلك القرارات إلى جثث هامدة لا حراك فيها، إذ ليس سراً أن ترحيل تلك القرارات إلى أدراج الانتظار الأميركية كان يعني عملياً دخولها مرحلة الموت السريري إلى أجل غير مسمى.


عندما كانت واشنطن تسعى، إلى استصدار القرارات عن مجلس الأمن بما فيها تلك التي توصي بتجفيف منابع الإرهاب (2170- 2178 لعام 2014) ملوّحة لمن يشقّ عصا الطاعة بإجراءات عقابية صارمة ولربما وصلت حدود التهديد بالقوة، لم تكن تهدف من وراء مسعاها ذاك إلى تحفيز المناخات المحيطة بمناطق الصراع والأزمات وفي الذروة منها سورية بل لاستخدام تلك القرارات كسيفٍ مسلط على رقاب حلفائها الإقليميين قبل خصومها فهي تدرك أن أولئك الحلفاء هم الذين يقومون بتغذية منابع الإرهاب وهم من يمدها بلوازم الديمومة والاستمرار، وبمعنى آخر كانت تلك القرارات بمنزلة عصا تهش بها واشنطن على الآخرين كوسيلة لضبط أدائهم السياسي وضمان عدم ذهابهم نحو نشاط مستهجن من شأنه أن يسيء إلى اللحن الأميركي المدوّن في النوتة الموزعة على الجميع لكي يقوم بعزفها.


ما جاء به القرار 2254 مهم ومع ذلك فإن الآليات التي اقترحها فيها الكثير من الضبابية والكثير من الغموض وهي تحتاج إلى الكثير من الشروح والتفصيلات ولربما القرارات، وبمعنى آخر تحتاج إلى توافقات أخرى قد يكون من الصعب توافرها كلما تطلب الأمر ذلك، فالتوافق الذي حدث في موسكو 15/12/2015 أثناء زيارة جون كيري إليها ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين والذي أفضى إلى سكون نيويورك 18/12/2015 ثم إلى القرار 2254 هو حالة أكثر من استثنائية بل من الصعب تكرارها في ظل هذا التوتر المتصاعد بدءاً من قرار الناتو بالتمدد شرقاً "مونتينغرو"، وصولاً إلى أوكرانيا التي وصلت مباراتها الآن إلى مرحلة الاستراحة بين الشوطين، وفي أزمنة مزمنة أصابت ما أصابت ودمرت ما دمرت سيكون التوافق على التفاصيل أصعب بكثير من التوافق على الخطوط العريضة، فالقرار 2254 يوصي مثلاً بوجوب وضع دستور جديد للبلاد خط عريض، إلا أنه لا يحدد أي دستور وما النظام الذي سيفضي إليه، هل يكون نظاماً على الطريقة الألمانية "فيدرالية" كما يريد الغرب وبالتالي كما تريد المعارضة؟ أم يكون على الطريقة الأميركية كونفيدرالية؟

 


ما يزيد من حدة المخاوف هنا هو ذلك التعثر الذي يبدو جلياً في إعلان الأردن عن لوائحه التي ستحدد الفصائل الإرهابية العاملة على الأرض السورية عن غيرها، ثم حتى ولو تم الإعلان عنها فهل ستكون ملزمة لجميع الفرقاء الدوليين والإقليميين؟ الأرجح لا، ما دامت واشنطن لم تنضج في ذهنيتها بعد ملامح التسوية البانورامية في المنطقة، وما تمارسه الرياض من سياسات إدارة الظهر تقول ذلك، وإلا فماذا تعني تلك الخطوة الاستباقية التي قامت بها الرياض في تحدّ واضح وصريح للغرب الذي كان قد أعلن قاعدته المشهورة من يتعامل مع الإرهابي فهو إرهابي عندما دعت حركة "أحرار الشام "إلى مؤتمر الرياض (9-10/12/2015) ومعها "جيش الإسلام "وقد حظي الفصيلان بتمثيل لهما في هيئة التفاوض العليا التي انبثقت عن ذلك المؤتمر، وقبل أن يجف حبر البيان الختامي الصادر عن هذا الأخير ذهب الفصيلان السابقان إلى الإعلان عن تأسيس غرفة عمليات المرج (14/12/2015) إلى جانب جبهة النصرة للتصدي لهجوم الجيش السوري في الغوطة الشرقية كما يقول البيان الذي أعلن فيه عن تأسيس الغرفة المشار إليها.


يتبنى "جيش الإسلام" (تأسست نواته الأولى في دوما أيلول 2011 أما بشكله الحالي فقد تأسس في 29 أيلول 2013 )على يد "زهران علوش" وأبيه الشيخ عبد اللـه السلفي المقيم في السعودية فكر السلفية الجهادية ولا أهمية هنا تذكر للتصريحات التي يطلقها المؤسسان والتي تتضمن رفضهما للقاعدة فالخلاف هنا تنظيمي وليس إيديولوجي، كما تتبنى حركة "أحرار الشام" (تأسست 11/11/2011 على يد حسان عبود) أيضاً فكر السلفية الجهادية حتى وإن كانت تتنازع تلك الحركة تيارات عديدة على خلفية تحديد المسار الذي يجب أن تسير فيه إلا أن من يقود الدفة حتى الآن هو التيار القاعدي الرافض لأي تسوية سياسية وللعلاقة مع الغرب بزعامة أبي قتادة الفلسطيني اسمه الحقيقي عمر محمود عثمان.


صحيح أن ما جرى في الرياض،  يمكن أن يوضع في خانة الصراعات الداخلية للحركة، فعشية انعقاد المؤتمر كانت "أحرار الشام "قد أعلنت عن انسحابها من المؤتمر قبل أن تعلن في اليوم التالي تراجعها عن قرار الانسحاب بل لتكون أول الموقعين على البيان الختامي الصادر عن المؤتمر ليتأكد للمتابع أن قيادة الحركة "قائد الحركة أبو يحيى الحموي" لا تملك أي سلطات حقيقية على الجناح السياسي للحركة الذي يمكن تسميته تيار الأخوين نحاس (لبيب+ كنان نحاس) وما حصل هو أن ممثل الحركة في المؤتمر "لبيب نحاس" كان قد أدار ظهره لقرار الحركة الذي يقضي بالانسحاب واستمر في حضور جلسات المؤتمر ليكون أول الموقعين على البيان الختامي وليثير هذا التوقيع فيما بعد زوبعة داخلية لم تنقض فصولها بعد ولا مقدر لها أن تنقضي سريعاً.


إلا أن الصحيح أيضاً أن الأمر يقع في خانة خروج الإقليمي عن إرادة الدولي والسؤال المهم هنا: هل يمثل ذلك الخروج تحدياً حقيقياً أم إنه من النوع المتفق عليه؟


تعاطت واشنطن في سيرها الرامي إلى إيجاد تسوية للأزمة السورية انطلاقاً من قاعدة تقول: خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء، ولا توجد حتى الآن مؤشرات تفيد أن تغيراً ما قد حدث في طريقة التعاطي تلك، والأيام القادمة ستكشف هل كان القرار 2254 سينضم إلى سلسلة القرارات التي كان مصيرها الأدراج المغلقة، أم إن واشنطن قد حسمت أمرها تحت وطأة المخاوف من خروج المنطقة برمتها عن السيطرة بالذهاب نحو فتح الأبواب والنوافذ للدخول في تسوية سياسية من المقدر لها أن تكون ماراتونية قياساً إلى شقها العسكري المنطلق بلا كلل منذ ما يقرب من خمس سنوات وبلا أوقات للراحة.


مهما يكن من أمر فإن المناخات السائدة، لا تشير إلى أن القرار 2254 يمثل المنصة التي ستنطلق منها التسوية السياسية السورية إلا أنه من الممكن القول إنه يمثل الخطوة ما قبل الأخيرة للقفز باتجاه تلك المنصة، وبمعنى أدق فهو يعتبر اختباراً لحسن النيات بين أطراف الصراع، فالأزمة السورية ليست أزمة مجرّدة وأزمات المنطقة شديدة الارتباط بها وبتداعياتها وليس العكس وما من شك بأن السماء إذا ما كانت ستمطر فهذا يعني أن الغيم سوف يتشكل في طبقاتها المنخفضة أولاً.

 

 

الوطن - الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=29682