تحقيقات وتقارير

تركيا بين الأطماع و النفاق السياسي


 منذ اندحار العثمانيين في الحرب العالمية الأولى من أوربا و إفريقيا و الوطن العربي ومساعدتهم لألمانيا الهتليرية في الحرب العالمية الثانية،  بغية إعادة الحلم العثماني و السيطرة مجدداً على العراق بعد طردهم بقوة السلاح من آخر معقل لهم في الموصل آنذاك، ظلت أطماع تركيا نحو العراق مستمرة بعد سقوط النظام الملكي، ففي التسعينيات تم قصف المدن العراقية أبان الحصار الدولي على العراق من قواعد تركية تحمل الموت للعراقيين، ناهيك عن تحالفها الدبلوماسي و التجاري و العسكري مع "اسرائيل" والذي مهد لحصول "اسرائيل" على موطأ قدم في التجسس و التآمر على العراق.

 


وتكاد الوقاحة تكون بلا حدود حين تجاهر قيادة حزب "الأخوان" الحاكم بتلك الأطماع باعتبار الموصل أرضاً تركية، و ترسل قواتها العسكرية داخل عمق العراق، تحت ذريعة تقديم التدريب لوحدات عراقية، حيث أرسلت أنقرة 600 جندي تركي تدعمهم 25 دبابة إلى بعشيقة، قرب مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق دون أي تنسيق مع الحكومة العراقية.

 


هذا الانتهاك للحدود والسيادة أثار سخط الحكومة العراقية التي دعت الحكومة التركية إلى سحب قواتها من محافظة نينوى، معتبرة أن هذا التوغل العسكري يحقق فصل أكراد سورية عن أكراد العراق فهو على مثلث حدودي بين سورية وتركيا والعراق ويتحكم جغرافيا بالربط بين إقليم كردستان في العراق ومناطق انتشار وحدات الحماية الكردية في سورية.


الأزمة الحاصلة بين بغداد وأنقرة في طريقها للوصول إلى نقطة اللاعودة، فعند دخول القوات التركية إلى أطراف الموصل، تعددت الروايات التركية لشرح أسباب هذا التوغل، فالخارجية التركية قالت "إن القوات دخلت بعلم من الحكومة العراقية وبطلب منها"، أما رئيس الوزراء التركي بيّن أن، إرسال القوات تم بطلب من محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي وحكومة إقليم كردستان… الاختلاف التركي في بيان الأسباب الحقيقة للقيام بهذا العمل يدل على أن الأتراك كانوا يعيشون تخبطاً لجهة عدم معرفة كيف سيكون الرد العراقي والإقليمي والدولي على هذا الانتهاك، وكأنّهم يختبرون ردود الفعل للقيام بعمل أوسع أو التراجع عن هذا التوغل.


المواقف الإقليمية والدولية كالمعتاد كانت محكومة بعامل المصالح والمحاور، فالولايات المتحدة الأميركية قالت إنها على علم بهذا التدخل ولكنها لن تتدخل فيه، أما الموقف العربي فكان عاجزاً إلى درجة الاعترف صراحة بعدم القدرة على القيام بشيء ضد هذا العمل التركي سوى الإدانة والاستنكار، وهذا ما جعل أردوغان يعلنها صراحة بأن القوات التركية لن تنسحب من العراق.


إعلان النوايا التركية بهذه الصراحة، جاء نتيجة لخسارة الأتراك جميع الأوراق التي كانت بحوزتهم في سورية قبل أن يتم إسقاط الطائرة الروسية، ما يؤكد أن الأتراك اعترفوا بفشلهم الذريع في سورية، وهو ما جعلهم يبحثون عن منطقة نفوذ ثانية لفرض أنفسهم.


أما الموقف العراقي غلب عليه طابع التصعيد الإعلامي وعدم القيام بخطوات عملية للردّ على هذا التوغل…. حيث وجهت الحكومة العراقية شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، ودعت الحشد الشعبي إلى الاستعداد للدفاع عن السيادة العراقية ما لم تصل الطرق السلمية إلى الهدف المنشود، وهو خروج القوات التركية من الأراضي العراقية إضافة استخدام الورقة الاقتصادية، و إلغاء الملحقية التجارية في السفارة العراقية في تركيا وهددت سحب سفيرها من أنقرة..


روسيا عبّرت عن عدم رضاها عن مستوى التفاعل الذي لقيه الأمر لدى الشركاء الدائمين في مجلس الأمن، مبدية استعدادها مساعدة للعراق في جميع المجالات، ربما الحكومة العراقية الآن لا يوجد لديها أي خيار للمحافظة على سيادة العراق ووحدته سوى الطلب من الحكومة الروسية تقديم دعم عسكري جوي و المساهمة في عملية الرد على هذا الاحتلال التركي للأراضي العراقية لأنّ القوات التركية لم تأتِ لتخرج بالمطالبات الدبلوماسية، فالاطماع التركية ماتزال قائمة تتناغم مع موال الدولة العثمانية في استعادة نفوذها المفقود في المنطقة.

 

رنا الموالدي - الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=29494