وجهات نظر

السيناريوهات الأمريكية فى العراق وسورية

مصطفى السعيد


تتحرك أمريكا علي عدة محاور لاحتواء الوضع المقلق لتحالفها في كل من سورية والعراق، فالتقارير القادمة من دمشق وبغداد تؤكد تحقيق الجيشين السوري والعراقي انتصارات مهمة، فقد سيطر الجيش السوري علي معظم ريف حلب الجنوبي، وريف اللاذقية الشمالي، وأصبحت حمص خالية من الإرهاب، والتي كانت توصف بعاصمة المعارضة المسلحة، وخرج منها آخر مسلحي جبهة "النصرة" في حي الوعر، كما تخلصت دمشق من معظم الجيوب المحيطة بالعاصمة، والتي كانت تمطرها بقذائف الهاون بين فترة وأخرى.

 


وفي العراق توغل الجيش مدعوماً بقوات الحشد الشعبي وسط مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، وإن كان يتحرك ببطء خشية إيقاع خسائر في أوساط المدنيين، إلا أنه أثبت قدرته علي كسب "داعش " في تكريت وبيجي وغيرهما، ويتحسن الجيش العراقي كما ونوعا، وبلغ تعداده 400 ألف مقاتل، والمتطوعين في الحشد الشعبي 400 ألف، إلي جانب قوات الشرطة، وينوع الجيش من تسليحه بعد التباطؤ الأمريكي في توريد السلاح، فعقد صفقات مع روسيا، إلي جانب اعتماد الحشد الشعبي علي التسليح الإيراني.

 


يتبع الجيش السوري تكتيكاً عسكرياً يلائم قواته، ولا يلائم أسلوب قتال الجماعات الإرهابية، والتي كانت تتوقع أن يركز الجيش السوري علي اجتياح المدن الرئيسية، لكن قتال الشوارع يلائم الإرهابيين، المتمرسين في حرب المدن، والتي جري حفر شبكات أنفاق فيها، ولديهم خبرات كبيرة في زرع العبوات الناسفة والمفخخات والعمليات الانتحارية، لهذا ركز الجيش السوري علي السيطرة علي الطرق الرئيسية، وقطع خطوط الإمداد، والاستيلاء علي الجبال والتلال المطلة علي المدن والبلدات والمواقع الرئيسية للمسلحين، وبهذا تسقط المواقع نارياً، أي تكون في متناول المدفعية والصواريخ ورصاص القناصة، وتجبرها علي الخروج لشن هجمات مضادة لكسر الحصار واستعادة الطرق والمرتفعات، وعندئذ تكون خسائر الجماعات الإرهابية أكبر، وبعد استنزافها يبدأ دخول القري والمدن،  أما الجيش العراقي فيتبع تكتيك الحصار الطويل، والضغط لإخراج المدنيين، ثم الضم المتدرج للمدن الواقعة تحت سيطرة "داعش"، حتى يتجنب أي محاولة لتعميق الشرخ المذهبي بين السنة والشيعة.

 


كان التدخل الروسي قد أخرج تركيا من المواجهة بدرجة كبيرة، وقطع معظم خطوط الإمداد من الحدود التركية، وهو ما دفع تركيا لارتكاب حماقة إسقاط الطائرة الروسية، وهو ما أدى لتكثيف الغارات الروسية علي خطوط الإمداد، وضرب قوافل نقل النفط السوري إلى تركيا.

 


هكذا يشيرالوضع الميداني في كل من سورية والعراق إلى أن الوقت ليس في صالح التحالف الأمريكي، وأن قوات الجيشين السوري والعراقي وحلفائهما الأقوي علي الأرض من مجموع قوات الجماعات المصنفة "إرهابية" والتي تضم معظم المسلحين، وتلك المصنفة "معتدلة" معاً.


المحور الأول الذي يتحرك فيه التحالف الأمريكي هو التدخل العسكري المباشر، بوضع قوات أمريكية صغيرة في بعض المناطق، مما يمنع قصف الطائرات الروسية والسورية لهذه المناطق، وألا تتحرك القوات البرية قربها، حتي تتجنب الصدام، ولهذا أرسلت أمريكا وحدة من القوات الخاصة إلي المناطق الكردية، وتراهن علي استمالة مجموعات كردية وعشائرية، وتدعمها عسكرياً وسياسياً، لتكون طرفاً مؤثراً في أي مفاوضات، وتأمل في أن تكون قادرة على تحرير مدينة الرقة السورية "عاصمة داعش"، بما يمنحها نصراً معنوياً كبيراً، يحسن من صورتها، ويعزز تأثيرها، وأن تتولي قوات تركية تحرير الموصل ثاني أكبر المدن العراقية.

 


المحور الثاني الذي أعلن عنه كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والبنتاجون هو تشكيل قوة عربية مشتركة، تنطلق من شرق الأردن، وتسيطر علي الأنبار، وهي محافظة صحراوية تمثل نحو ثلث مساحة العراق، وتمتد من الحدود الأردنية والسعودية وحتى شرق سورية، وتتوقع أن تلقي هذه القوة ترحيباً من السكان السنة، الذين يشكلون أغلبية سكان المحافظة، علي أن تتولي تركيا التوغل في الشمال، وتشكيل تحالف مع بعض الأكراد والعشائر العربية والتركمانية والأقليات الأخري، لتسيطر علي محافظة نينوي وعاصمتها الموصل، وتجري مفاوضات تمنح هذا الشطر حكماً ذاتياً، وبناء جيش مستقل، يؤدي لدولة منفصلة، ويأتي هذا السيناريو متوافقاً مع إعلان كل من وزيري خارجية أمريكا وتركيا أنهما سيدعمان السنة في مواجهة دعم روسيا وإيران للشيعة، وهي إشارة على رهان تفجير ألغام الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية.

 


المحور الثالث هو التوصل السريع لوقف لإطلاق النار، وأن تتدخل الدولة الداعمة للجماعات المسلحة لإلزامها بهدنة طويلة، من المتوقع أن تلقي قبول معطم الجماعات المنهكة والمحاصرة، بما فيها معظم قوات "داعش والنصرة"، الأكبر عدداً والأفضل تسليحاً وتدريباً وتنظيماً، وخلال المفاوضات التي ستطول، يمكن إعادة إنتاج ودمج الجماعات المسلحة بوجهيها الإرهابي والمعتدل، بما يغير الواقع علي الأرض، وأن تظهر قوة مسلحة موحدة تحت اسم جديد وبراق، ويمكن التخلص من بعض قيادات "داعش" الكبيرة إما بترحيلها إلي أماكن أخري مثل ليبيا أو اليمن أو الصحراء الكبري، أو بتصفية من يعترض علي عملية الدمج بالضربات الجوية أو وحدة العمليات الخاصة الأمريكة.

 


وهكذا يسعي المخطط الأمريكي بمختلف محاوره لفرض التقسيم، الذي يسهل الهيمنة على منطقة أصبحت مركز تشابك التناقضات الإقليمية والدولية.

 

 

الأهرام - الإعلام تايم

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=29295