وجهات نظر

باختصار : الاعتداء على الأب

زهير ماجد


لم يفاجأ الأميركي من الإعلان عن أن عملية كاليفورنيا داعشية .. هي قصة الابن الذي ينتقم من أبيه، بل قصة الانتقام من البشرية كلها حين يكون حاميها متورطاً في حسابات خاصة يسعى من خلالها إلى أن يكون كيسنجرياً، بمعنى أن يكون مع الشيء وضده، مع الفكرة وخصمها، لا يقطع الأميركي شعرة مع أهداف يراها مناسبة له ولو بعد حين .. المدرسة السياسية الأميركية منوعة، قلبها البراجماتية وعمقها أيضاً.

 


هل للقوة الزائدة حكمة في حرية الاختيار وفي توسيع مجال الخيارات .. ليس من مرفوض كلياً، كما ليس ما هو مقبول دائماً.

 


في العقل السياسي الأميركي عرف يقول بأن دعونا أن نكون مع وضد، لماذا على الدول أن تصطف مع هذا أو ذاك ثم تصل إلى وقت تحشر فيه في زوايا خيارها، لأجل هذا كله، يظل السلوك الأميركي على راحته في أن يظل رمادياً، مشبعاً برماديته، هو اللون المفضل الذي لا لون له.

 


داعش يضرب أميركا، في الوقت الذي تتسابق فيه أوروبا إلى اطلاق قوتها ضده .. فرنسا، ثم بريطانيا، وها هي ألمانيا، وغيرها من دول العالم.


كأنما هذا العالم يسعى للثأر من نفسه يوم وقف بمجمله ضد الرئيس الأسد ودولته ونظامه وجيشه وشعبه، كانوا جميعاً في خدمة مشروع اسقاطه، استعجلوا الأمر فهبوا بالجملة، واليوم يتراجعون بالجملة أيضا.


يا لها من مفارقة، ويا له من حساب يأتي في الوقت الذي جزء مهم من سورية قد تهدم، ودعم هؤلاء المتحركين لضرب "داعش" قد جاء متأخراً، في وقت قد لا ينفع ولا يضر، كعادة أوروبا التي باتت تنام وأن أفاقت فهي تمارس نعاساً ليس له تفسير.

 


لكن ضرب "داعش" بكل وسائل الطيران الحديث قد لا يعني شيئاً أمام إبقاء مفتاح الحدود الشمالية بيد تركيا التي يضحك الأتراك في سرهم كونهم يعرفون تماماً ماذا يعنيه ذلك من عدم تغيير الواقع القائم.


لقد قلنا وطالبنا مراراً بإغلاق الحدود التركية ووقف التمويل وتجفيف المنابع، أمر لو حدث لكان هو المتغير الجذري الذي سيرافقه عمل كبير على الأرض سوف يؤدي إلى سحق الإرهاب تماماً، هناك من سيقتل، وهنالك من سيهرب، وهنالك من سيسلم نفسه الى الدولة.


لا نعتقد أن ردة الفعل من الولايات المتحدة ستكون في مستوى عمل كبير .. فالأب قد يعاقب أبناءه لكنه لا يقتلهم، والأرجح دائماً أن يعطيهم درساً جديداً في كيفية الانتباه إلى عدم تكرار الاعتداء عليه فيغفر المرة تلو المرة.


هو درس للذين لم يعتقدوا بعد أن "داعش" ولدت من رحم وليس من هواء، من أب وأم معروفين لا يجهلهما احد، لكن لا أحد يمكنه معاقبتهما، فهما أكبر من أن يعاقبا، بل إن أوروبا المحشورة في ضرورة قتال "داعش" ومشتقاته، لا تملك سوى المعاقبة وغير مسموح لها القتل إلا إذا أمر السيد الأميركي، وهو حتى الساعة وإلى أمد لن يأمر.

 


لم تنته بعد الحرب على سورية، فما زال هنالك متسع من الوقت لممارسة الأهداف على تناقضاتها، لكن الذي بات معروفاً، أن الإرهاب الذي ولد من رحم، يحظى بالرعاية لدور أكبر ولزمن أطول.

 

 

الوطن العُمانية - الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=28903