تحقيقات وتقارير

الاستراتيجية الأمريكية الجديدة.. ما بعد اجتماع فيينا وما قبله


مع بدء العملية العسكرية الروسية ضد الإرهاب في سورية تبدو الإدارة الأمريكية وكأنها تعاني حالة ارتباك وتعيش مأزق الخيارات للحفاظ على حضورها في المنطقة، لكنّ حروبها السابقة علمتها أن تدير المعركة "من الخلف" وتحارب "بأدواتها" التي على الرغم من الخذلان الأميركي المتكرر لها ما زالت تراهن عليها.

 

وتدل المؤشرات على أنّ الولايات المتحدة لن تبقى مكتوفة الأيدي لكنها لن تواجه روسيا بل كلفت أدواتها السعودية والتركية والإسرائيلية والمجموعات الإرهابية التابعة لهذه الدول  بالقيام بالمهمة، على الرغم من قناعتها أنّ الميدان السوري قد طرأت عليه تبدلات جوهرية بعد إنشاء التحالف الرباعي بين روسيا وإيران وسورية والعراق.

 

الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية التي تقوم على إدارة المعركة من الخلف لن تثمر نتائج جوهرية في الميدان السوري، فالأمريكيون يصرحون بعدم جدوى الحلّ العسكري في سورية وفي الوقت نفسه يقومون وأدواتهم بإرسال الإرهابيين والسلاح إلى سورية.

 

تسعى أمريكا في المرحلة المقبلة إلى زيادة دعمها بالسلاح النوعي للإرهابيين في سورية من أجل الضغط على روسيا أو استدراجها إلى تدخل برّي يمكن بعده إغراقها في مستنقع يستنزف قواتها ويكبدها خسائر ويدفعها لمراجعة حساباتها في سورية. 

فبعدما سلّمت المجموعات التي دربتها أمريكا قبل أشهر أسلحتها إلى جبهة النصرة عند أوّل مواجهة جدّية، وبعدما أقرّ الرئيس الأميركي باراك أوباما بفشل برنامج التدريب الذي يقوم به الجيش الأميركي لتجهيز "المعارضة السورية"  قائلاً "إن البرنامج لم يحقق أهدافه"، وفيما كان اجتماع فيينا حول سورية منعقداً أعلنت الولايات المتحدة عن خطط لإرسال 50 جندياً من القوات الأمريكية الخاصة إلى شمال سورية هذا الشهر للتنسيق مع المعارضة لقتال إرهابيي "داعش"،  بحيث ستتمثل مهمة القوات الخاصة الأمريكية في "تدريب وإرشاد" ما يسمى "جيش سورية الديمقراطي" المؤلف من تحالف بين "وحدات حماية الشعب" ذات الأغلبية الكردية، ومجموعات مسلحة أصغر تتركز في محافظة الرقة وتقديم "النصح والمشورة" لهم ، وهي كما يعتبرها خبراء ومحللون سياسيون بدء استراتيجية "السماء والأرض"."

 

وبموجب الاستراتيجية الأمريكية الجديدة سيتم نشر مزيد من طائرات "أي-10 و"إف-15" في قاعدة انجرليك" بتركيا لدعم المعركة ضد التنظيم الإرهابي، وبالتزامن أقر أوباما تعزيز المساعدات العسكرية للأردن ولبنان من أجل التصدي لـ"داعش".

 

كما ترتكز الاستراتيجية الجديدة ، على مد ما يسمى "المعارضة المعتدلة" بأسلحة نوعية للمتواجدين في شمال غرب سورية، وهذا ما قامت به طائرات تابعة لسلاح الجو الأميركي، وفق ما أفادت به  قناة "سي ان ان" عن مسؤول أميركي،  بإسقاط 50 طناً من الذخيرة للمسلحين في شمال سورية، مضيفاً أن "الذخيرة نقلت عبر أربع طائرات شحن عسكرية من طراز "سي 17" ترافقها مقاتلات أميركية، وأنها تتكون من أسلحة خفيفة وقنابل يدوية كانت على وشك النفاد ". 

 

وأكد المسؤول الأميركي تسلمها من قبل من وصفهم بـ"الأصدقاء ". وقد أفادت بعض التقارير أنّ أطنان الذخائر الأمريكية لم تقتصر على الأسلحة الخفيفة بل شملت صواريخ نوعية مضادة للطائرات من أجل الحدّ من الغارات الجوية الروسية التي تدمر المجموعات الإرهابية.

 

وأفادت معلومات صحفية عن قرب قيام واشنطن بعمليات عسكرية تستهدف قوات الجيش الروسي في سورية بشكل مباشر بغية إلحاق خسائر بشرية في صفوفها.

 

وهذا ما يعتبر تطوراً لافتاً جداً في شكله ومضمونه وتوقيته، ويأتي ذلك مع إزدياد الدعم الأمريكي والسعودي والتركي بالسلاح النوعي للمسلحين الذين طلبت بعض فصائلهم من الإدارة الأمريكية مدها بصواريخ مضادة للطائرات.

 

تحليل الأحداث المتسارعة يؤكد عدم جدّية أمريكا بالتوصل إلى تسوية وحلّ سياسي للأزمة السورية، وهذا ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال مؤتمر فيينا الذي عقد أواخر تشرين الأول، مشيراً إلى أن الخلافات مع روسيا وإيران مستمرة بشأن مصير السيد الرئيس  بشار الأسد، رغم اعترافه بأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل بلاده.

 

وبناء عليه يمكن القول إن السيناريو الأمريكي الجديد بعد الإخفاقات المتتالية في سورية ومضيّها بمشروعها التدميري في المنطقة من خلال محاولات تغيير الأنظمة السياسية للدول وإبدالها بأنظمة تدار من داخل البيت الأبيض هو امتداد لسلسة استراتيجيات وحسابات الخاطئة للإدارة الأمريكية الكثيرة تجاه منطقة الشرق.

 

خاص- الإعلام تايم 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=27850