وجهات نظر

الهبَّة الشعبية الفلسطينية تتواصل ميدانياً وسياسياً

حلمي موسى


تواصلت الهبَّة الشعبية الفلسطينية، وخصوصاً عمليات الطعن في عدة مواضع، برغم اشتداد الأمطار في الأراضي المحتلة. وسقط شهيدان جديدان برصاص قوات الاحتلال في الخليل جنوب الضفة الغربية.


وحاولت بعض الجهات الرسمية الإسرائيلية الإيحاء بأن الهبَّة تراجعت، وأن الجهد يتجه حالياً نحو المسار الديبلوماسي. ولكن المصادر الفلسطينية والشعبية تؤكد استمرار المجابهة بأشكالها الميدانية والسياسية على الأرض وفي المحافل الدولية. وقد برز هذا من خلال مطالبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في خطابه في مقر الأمم المتحدة في جنيف، بالحماية الدولية، وفي عرض نيوزيلندا مشروعها للتهدئة، من خلال استئناف المفاوضات، عبر تجميد الاستيطان، والمساعي الفلسطينية في المحكمة الجنائية الدولية. وهناك اعتراف عسكري إسرائيلي واضح بأن لا حل عسكرياً لمواجهة الهبَّة الشعبية الفلسطينية، ولا بد من اللجوء للخيار السياسي وفتح الآفاق أمامه.


وقد ألقى عباس خطاباً، أمام المجلس العالمي لحقوق الإنسان في مقر الأمم المتحدة في جنيف، طالب فيه بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الذي يعاني من أشد انتهاك لحقوق الإنسان تحت الاحتلال الإسرائيلي. كما طالب الأمم المتحدة «بتحمل المسؤولية، وإنشاء نظام خاص للحماية الدولية للشعب الفلسطيني».


واتهم أبو مازن بشدة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو باستغلال المحرقة النازية لمهاجمة الفلسطينيين. وقال «عندما يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلي إعفاء هتلر من جرائمه القبيحة ضد اليهود، واتهام الفلسطينيين بها، فإنه يحاول تبرير الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين». وأعلن أنه لم يعد هناك مبرر لإضاعة الوقت في مفاوضات لا تقود إلى شيء، لأن المطلوب هو إنهاء الاحتلال. واتهم إسرائيل بتنفيذ «إعدامات ميدانية»، وعاد وكرر دعوته «لمقاومة شعبية غير عنفية» لمواجهة «آلة الحرب والقمع وجرائم المستوطنين».


واعتبرت إسرائيل خطاب أبو مازن استكمالاً للتحريض الذي تمارسه السلطة. وأعلن السفير الإسرائيلي في مقر الأمم المتحدة في جنيف أن أقوال عباس تحريضية، وأن «ما رأيناه هو تمجيد للإرهاب والعنف. فالمجلس منح تسويغاً لدعاوى إباحة سفك الدم اليهودي».


من جهة أخرى، قدرت أوساط سياسية إسرائيلية أن فرصة نيوزيلندا في تمرير القرار بشأن تجميد الاستيطان والخطوات الفلسطينية في المحكمة الجنائية الدولية «تكاد تكون صفراً»، لكن هذه الأوساط لم تقل إنها هي التي تعرقل أي تسوية برفضها تجميد الاستيطان، وإنما اتهمت الرئيس الفلسطيني وخطابه في جنيف بالقضاء على فرص التهدئة. وتبدي إسرائيل قلقاً متزايداً من الخطوات الفلسطينية في المحافل الدولية، وخصوصاً أن هناك إقراراً دولياً بأن السلطة أكثر صدقية في رغبتها في التسوية من نتنياهو.


ومعروف أن مشروع القرار النيوزيلندي يطالب إسرائيل بتجميد الاستيطان وبامتناع الفلسطينيين عن ملاحقة تل أبيب في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وقد عرضت نيوزيلندا هذا المشروع في الأيام الأخيرة على أعضاء مجلس الأمن الدولي، كما سلم سفيرها لدى الأمم المتحدة نسخة عنه لكل من المندوبين الإسرائيلي والفلسطيني. وبرغم التحفظات الفلسطينية على مبدأ العودة إلى المفاوضات من دون إطار ومرجعية محددة فإن الفلسطينيين لم يعلنوا موقفاً واضحاً منه. ومن المؤكد أن مشروع القرار النيوزيلندي قدم بالتشاور على الأقل مع المجموعة الأوروبية، التي وإن أخذت في الغالب برأي الأميركيين إلا أنها تحاول أن تختط لنفسها خطاً مستقلاً، وهذا ما يظهر أيضاً من خلال مشروع القرار الفرنسي الذي يُعتقد أنه سيعاد طرحه قريباً لتحريك التسوية وإخراجها من حالة الجمود الحالية.


وفي كل حال فإن الجيش الإسرائيلي الذي يتجنب في الغالب إحراج القيادة السياسية، عن طريق إعلان مواقف مغايرة، لا يخفي واقع أن إسرائيل تعيش في الأراضي المحتلة على برميل بارود قابل للانفجار في كل لحظة. وأنه حتى إذا حدثت تهدئة هذه المرة أيضاً فإنها لن تمنع الانفجار المقبل إذا استمر الوضع القائم على حاله. وهكذا وبشكل نادر تحدث نائب منسق الأنشطة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة العميد غاي غولدشتاين في ندوة عامة عن أنه من دون مبادرة سياسية فإن ما أسماه «موجة الإرهاب الحالية يمكن أن تتراجع لكنها لن تتوقف».


وأشار غولدشتاين، في ندوة عقدت في كلية نتانيا الأكاديمية بشأن إعادة إعمار قطاع غزة، إلى «أننا في ذروة مواجهة لا تبدو نهايتها في الأفق. وأبو مازن لا يقود سياسة إرهاب وهو يحاول تهدئة الميدان، ولكن من دون خطوة سياسية مشتركة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية فإن المواجهة الحالية لن تنتهي». وأضاف «حتى إذا حدث هدوء معين، ويا ليت يحدث الهدوء في الأيام القريبة ولا تقع عمليات، فإنه برغم ذلك تبقى كل الظروف قائمة».


وشدد غولدشتاين على «أننا نجلس فوق نوع من برميل بارود. وإذا لم يحدث أي تغيير جوهري، جزئياً إن لم يكن كلياً، في الميدان السياسي، فإننا على ما يبدو سنواصل العيش في ما نحن نعيشه حاليا».


وفي العرض، قال غولدشتاين إن ما يواجه إسرائيل ليست «موجة تصعيد» وإنما مواجهة ستستمر، وربما ستشتد وتقود إلى تغيير وجه الحلبة الفلسطينية، وأنه حتى إذا وقع هدوء معين فإنه من دون خطوة سياسية ستبقى كل أسباب المواجهة قائمة، ويتوقع أن تنشب من جديد. وأضاف أن قدرة السلطة على استمرار السيطرة على المواجهة محدودة في ضوء تزايد خطر أن تفقد السيطرة ويتزعزع الاستقرار.

السفير

الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=27633