وجهات نظر

الغرب وراء كل الكوارث القومية والوطنية

صياح عزام


كتب صياح عزام مقالاً في صحيفة الوطن السورية، جاء فيها:

كوارث قومية ومصائب وطنية في الأرض العربية تأخذ في كثير من الأحيان شكل مسرحية من عدة فصول: تبدأ بتدمير العمران والبنى التحتية وتخريب نسيج المجتمع المتآلف لتمر بعد ذلك في مرحلة طوفان وفوضى وضياع البوصلة، ولتنتهي بالتفكير المتأخر المضطرب لإيجاد حلول مغموسة بالدم والدموع… غالباً، بل دوماً، يكون مخرج هذه المسرحيات والمتحكم في كل تفاصيلها وممثليها وديكوراتها هو (الغرب) وبالطبع على رأسه الولايات المتحدة الأميركية، هذا الغرب الذي يعتمد على مساعدين مخرجين من الداخل لتنفيذ مهام يحددها لهم بكل دقة وخبث، كما يجري مع ملوك وأمراء ومشايخ الخليج العربي.

 

وبطبيعة الحال يختار الغرب مكان المسرحية الذي يخضع اختياره لتحقيق أهداف مرسومة تخدم مصالحه في طول وعرض البلاد العربية.


أما الأهداف فتكون عادة متعددة، منها مثلاً: الاستيلاء على ثروة حتى لا تُستعمل لمصلحة بناء طموحات وطنية أو قومية (كما يجري بالنسبة للنفط والغاز) في دول الخليج، ومنها استغلال حالات البؤس والفقر وتجييش الناس لاستنزاف ثروات بلادهم عبر التحريض المباشر وغير المباشر على التمرد تحت ذريعة المطالبة بالعدالة وتحسين المستوى المعيشي.

 

وقد يكون الهدف هو تدمير رمز عروبي راسخ في قلب التاريخ العربي وإخراجه من مُعادلات التوازن مع الكيان الصهيوني الغاصب، كما يجري بالنسبة لسورية ومصر إذ إنهما البلدان العربيان الوازنان والمؤثران في مسار السياسة العربية وخاصة في التصدي لمخططات "إسرائيل"، حيث كما يعرف الجميع، تعرض هذان البلدان لحرب إرهابية من مجموعات إرهابية تخوض في سورية حرباً بالوكالة عن أميركا وحلفائها وعملائها لإخضاعها لمشيئة الغرب، وفي مصر تسعى جماعة "الإخوان المسلمين" إلى تدمير مصر جيشاً ومؤسسات لتعود إلى السلطة هناك وتمضي في رد الجميل لسيدها الأميركي.

 

وقد يكون الهدف "تأديبياً"، أي إن الغرب يعطي دروساً في معاقبة وتأديب كل من يحاول الخروج من تحت عباءته.

 

إنها أمثلة وغيرها كثير، لمسرحيات تبدأ باستغلال مطالب شعبية، لتنتقل بعد حين إلى خلط الأوراق لتشويه جوهر المسألة برمتها من خلال عمليات تجنيد مجموعات وتسليحها لتقوم بأعمال قتل وتدمير وتخريب، إلى جانب استخدام سلاح الطائفية وحتى المذهبية، من أجل الوصول إلى تدمير مُمنهج للدولة الوطنية ومجتمعها، يعقب ذلك محاولات التدخل من الغرب "الجلاد والقاتل والمُدمِّر" وطرح الحلول الملغومة والمغموسة بالدم والدموع، حلول تكون على الأغلب مؤقتة على شكل استراحة محارب، بانتظار الدخول في حروب وصراعات جديدة وفي طوفان التقاتل بين مكونات المجتمع الإثنية والدينية والمذهبية والسياسية بحيث تنقلب الحياة في هذه المجتمعات إلى جحيم لا يُطاق.

 

هذا، وينبري بعض (المُتحذلقين) والعملاء إلى القول بأن العرب يُحمّلون دائماً الغير وتحديداً الغرب، مسؤولية مشكلاتهم، وأنهم يعودون إلى (اللغة الخشبية) حسب زعمهم، متناسين أن الغرب موجود في أرض العرب ومتجذّر في تدخلاته في شؤون الدول العربية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وهو (يخبط ويبيط) في الأرض العربية لأسباب لا حصر لها ولا عدّ، والشواهد على ذلك أكثر من أن تُحصى.

 

في ضوء هذه الصور المسرحية بمؤلّفيها ومخرجيها ولاعبيها يمكن الحكم على (المهزلة) الجارية تحت مُسمّى تشكيل "التحالف" الدولي الذي تقوده واشنطن ضد "تنظيم داعش الإرهابي".

 

إنها حبكة سريالية غامضة، تطرح ألف سؤال، جاءت لإنقاذ الجلاد القاتل وليس الضحية البريئة، ولذلك فهي تحمل بين جنباتها كل التناقضات.

 

الولايات المتحدة هي التي أوجدت ما يسمى "الحركة الجهادية الإسلامية" لمحاربة الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان، ثم حاربتها في أفغانستان، ولكنها –أي واشنطن- نقلتها إلى العراق وسمحت لـ "داعش" باحتلال أجزاء واسعة منه، إلى جانب الإسهام في إثارة النعرات الطائفية في العراق المُدمَّر أصلاً من القوات الأميركية والبريطانية، ثم أوعزت الإدارة الأميركية لـ "داعش" بالتمدّد إلى سورية، وأوجدت "داعشيات" أخرى تحت مُسميات "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" و"جيش الإسلام وجيش الفتح" وأسماء أخرى تتبع لهذه الجهة الإقليمية أو لتلك الجهة الاستخباراتية الأجنبية، التحالف الذي أقامته أميركا من زهاء 60 دولة، جمع قوى متناقضة في الهدف والدور، ليكون هذا التحالف أشبه "بوليمة" دُعيت إليها "تركيا" التي فتحت حدودها لكل إرهابيي العالم وأدخلتهم إلى سورية، كما دُعيت "ممالك ومحميات الخليج العربي" وفي مقدمتهم السعودية وقطر لتمويل عمليات تجييش وتدريب وتسليح هؤلاء الإرهابيين من المرتزقة وقطاع الطرق.

 

كما دُعيت إلى هذه الوليمة "فرنسا وبريطانيا" وغيرهما من الدول ليكون لها حصة من الكعكة في سورية والعراق وليبيا، تحت شعارات تبدو إنسانية متحضرة، بينما في حقيقتها تخفي أعلى أشكال الانتهازية السياسية والاستغلال وتحقيق المصالح الشخصية والأنانية.

 

كذلك يُسهم كل من الأمم المتحدة التي تتكلم كثيراً وتفعل قليلاً، والجامعة العربية التي يخيّم عليها السكون وتسيطر عليها السعودية وقطر، تُسهمان أيضاً في هذه الوليمة.
والسؤال الملح والمؤسف في الوقت نفسه، أين شعوب الأمة العربية من هذه المشاهد المسرحية، وهم ينتظرون جرائم القتل والذبح والتدمير؟.

 

الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=27605