وجهات نظر

ثمانية أيام فى قلب الخطيئة الكبرى .. سورية بانتظار المعجزة ..أو الانفجار العظيم

محمد حسين أبو الحسن


كتب الدكتور محمد حسين أبو الحسن تحقيقاً نشره في جريدة "الأهرام" المصرية، تحدث فيه عن زيارته الأخيرة  لسورية مع الوفد المصري الذي زار دمشق مؤخراً.

 

يقول أبو الحسن في مقدمة تحقيقه واصفاً الوضع المؤلم الذي تعيشه سورية بسبب الإرهاب : ياإلهي، ما كل هذه الوحشية والفظاعة، ترقص الأوطان "تانجو" مع الموت، تتعمد ببحار الدم، تذوب سريعاً كقطعة زبد فوق صهد الجمر، تسلم نفسها للعدم..الشر ينتصر أحياناً.. هنا سورية، هنا بدأ القتل، قابيل قتل أخاه هابيل، تأسيسا لمشوار الحقد والإفناء، رأس النبى يحيى، مازال ينزف داخل المسجد الأموى، فى أول جريمة "داعشية المزاج" بالتاريخ، بزعم الحب.

 

أوقات عصيبة: حرب عالمية تدور رحاها فى كل شبر. بعد 7 آلاف عام من الحضارة يأتى من يجز الرؤوس ويشق الصدور ويأكل القلوب، خان الزمان زمانه، سورية اليوم جنة وسط النيران، نعيم مقيم فى الجحيم، يختلط حلوها بمرها،.. قدر ما دفعنى لارتكاب المجازفة، والذهاب إلى سورية "خطيئة العرب الكبرى"، أرض المجازر، لنفاجأ بواقع عجيب لشعب طال شموخه قمم الجبال وبقيت أحلامه تلامس قيعان الأودية، دون أن يتوقف عن الغناء  برغم الأهوال:"بدا وطن.."..!

 

يتابع الكاتب واصفاً العلاقة التاريخية بين مصر وسورية: هذه أشياء يعرفها عندنا المهتمون بالشأن السوري.. فى سورية الوضع مختلف، هى حقائق دارجة يحفظها الجميع عن ظهر قلب، مازال القوم مصرين على التمسك بالعلم السوري ذى النجمتين اللتين ترمزان إلى مصر وسورية، بحسب وصف يوسف الأحمد سفير سورية السابق بالقاهرة، والذى يعتبرونه هناك "سفير مصر" بسورية لا العكس..!

 

قد لا تعرف عظمة بلدك إلا عندما تبتعد عنه.. ما أن يعرف السورى أنك مصري حتى يحدثك عن أماكن أو قرى نائية، ربما لم تزرها أو تعرفها أنت فى الصعيد أو الدلتا، ويبلغ به الزهو مداه، وهو يقول لك إنه تلقى تعليمه فى مصر وعاش فيها سنوات وإنه زارها عشرات المرات ويتمنى أن يعود اليها.

 

يشير أبو الحسن إلى الدور التركي في الحرب على سورية فيقول:  محافظة اللاذقية أول محطة فى رحلتنا، تقع بأقصى شمال غرب سورية، على الحدود مع تركيا- تمتد الحدود 917 كم- وتطل على البحر المتوسط، 85 ، ويطوق اللاذقية "قوس ساخن" من الشمال والشرق لاسيما فى مدن حماة وادلب وكسب، تهاجم الجماعات الإرهابية الأراضي ، بمختلف الأسلحة التى تتسرب من الحدود التركية.
ويضيف:  كل سورية هنا، المشكلة الحقيقية أن الدول الاستعمارية وتركيا، بمساعدة بعض "الأشقاء العرب"من الخليج، تصدر إلينا قطعان الوحوش والذئاب، لتمزيق بلادنا، وقد نجحنا فى وأد 24 محاولة فتنة طائفية.

 

بعد تجوالنا في اللاذقية المفاجأة أن السوري أثبت صلابته فى وجه المحن، الحياة تجرى وكأن شيئا لايعكر صفوها، الخدمات المختلفة متوافرة، الحياة تسير بوتيرة طبيعية، حركة شحن وتفريغ السلع فى ميناء المدينة لاتتوقف ، إنها رغبة حارقة فى الحياة، يعيش الجميع صباحاتهم ومساءاتهم فى مطاردة الدقائق والساعات، لابديل من انتظار المجهول، حربا أم خلاصا أم مزيدا من الموت الذى لم يخطئ طريقه إليهم، ضرورات الوجود تتقدم على دوافع الخوف الكامن فى حنايا النفوس، وهذا سر سوري مدهش ومؤلم فى آن واحد.

 

يتابع الكاتب: ببساطة شديدة، سورية هى البطن الرخو للأمة العربية أو بيت الداء، فالأوضاع فيها وفقاً لتقارير المنظمات الدولية، هى الأكثر مأساوية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

وفي زيارته لطرطوس يقول:  على هذه الأرض ما يستحق الحياة" مقولة للشاعر محمود درويش، رأيت بعينى دليلاً على صدقها، فى مراكز الإيواء، هى بالأساس مبان حكومية لم تبن لهذا الغرض، المعاناة شديدة، لكل أسرة غرفة واحدة، ظروف قاسية، معاناة أكبر من الكلمات، المفاجأة أننى عندما تحدثت مع بعضهم وجدتهم شبه راضين، يرون أنفسهم أسعد حالا ممن ذبحهم "داعش" أو أحرقتهم "قنابل جهنم" - قنابل تصنع من أنابيب الغاز تشوه البشر والحجر بشكل فادح - الحكومة تقدم لهم الطعام والخدمات مجاناً، منظمات الإغاثة والمجتمع المدنى "العربية" لا وجود لها. منظمات دولية تقدم إسهامات وإن كانت أقل من المطلوب، فى طرطوس 21 مركزاً بها 1850 أسرة، هناك أسر يقاتل بعض أفرادها مع التنظيمات الإرهابية ، وهم على استعداد لقتل أهاليهم، هكذا تذهب الحرب بصلة الرحم والوشائج بين الابن وأبيه.

 

يختم الكاتب تحقيقه بزيارته لمدينة دمشق فيقول:

 

ليل دمشق ليل متناقض، ليل لايحتمل فى خفته، نسيم عليل وسمر جميل وفنون..، حتى يرخى سدوله بأنواع القنابل والمدافع، فيصير ثقيلاً مخيفاً، صباحات دمشق مشرقة منعشة برائحة الزهور، انشغلنا طوال الأيام الثمانية بلقاءات مع أركان الدولة والحزب والناس، كانت لقاءات عاصفة وصريحة فى مجملها ، طرحنا الأسئلة بكل وضوح وأحيانا بقسوة، بحثا عن رؤية موضوعية وسبيل لوقف حمامات الدم بسورية، ، فالدسم الإرهابي فى دمشق يهدد بجلطة فى قلوب بقية العواصم العربية.

 

 

بقينا فى دمشق 5 أيام، أبصرنا كيف يقاوم أهلها تجار الدماء والأوطان بصلابة، دون أن يتخلوا عن حبهم للحياة، الإرهابيون يطوقونها كالسوار حول المعصم، قال لي أحد مرافقينا: حماس سلمت مخيم اليرموك إلى جبهة النصرة ليكون شوكة فى خاصرة الدولة، ومهدداً لأهالي دمشق "قلب العروبة النابض..!
سورية ترمومتر المنطقة، الجرح السوري خطيئة كبرى، سورية الناس والوطن والمؤسسات.

 

جريدة الإهرام

 

مركز الإعلام الالكتروني
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=25836