وجهات نظر

أوروبا و"ثورات" الموت المجاني...

محي الدين المحمد


يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي بدأت تشعر بالقلق نتيجة تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول الاتحاد، مع التأكيد أن أوروبا سعت قبل عقدين من الزمن إلى تفعيل ما يسمى "الشراكة الأورو-متوسطية" لتطوير بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وذلك لرفع مستوى المعيشة وإيجاد فرص عمل، وتنمية القوى الذاتية للدول في محاولة مدروسة لتثبيت السكان في بلدانهم لتجنب مشكلة الهجرة غير الشرعية، لكن حكام فرنسا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى انقلبوا على تلك السياسات،

وساهموا في تخريب دول المنطقة من خلال ما سموه "الربيع العربي"، حيث التهمت الحروب التي أشعلوها منذ ما يقارب السنوات الـ5 اقتصادات تلك الدول, كما التهمت الفوائض المالية لدول الخليج والسعودية.. كل ذلك أدى إلى هذه الموجات غير المسبوقة للهجرة غير الشرعية، ليس هرباً من الإرهاب فقط وإنما هرب من الفقر وبحث عن فرص عمل.

عشرات الجثث لسوريين في سيارة مغلقة في النمسا، ومئات الجثث على سواحل ليبيا… وعشرات ومئات السوريين يغرقون في مياه البحار في طريق هروبهم من جحيم الإرهاب… وعشرات يموتون برداً في مخيمات اللجوء أو جوعاً أو حرقاً، أضف إلى ذلك مئات من الذين تصيدهم قذائف الهاون في أحيائهم الآمنة, والعشرات يقضون بين الحين والآخر في تفجير السيارات المفخخة كما حصل أمس الأول في حي الزهراء بحمص.

هذه هي إنجازات "ثورة الخيانة" التي لا يزال الغرب يدعم مجانينها، ويضع العراقيل أمام الحلول السياسية للأزمات في المنطقة، كما يضع العراقيل أمام المهاجرين هرباً من الجحيم الذي أشعلوه في سورية والعراق واليمن وليبيا.

هذه هي "إنجازات ثوراتهم" المزعومة التي أرادوا نشرها تحت لافتة "الربيع العربي"، وبدل أن ينشروا الأمن والسلام والديمقراطية، ويساعدوا شعوب المنطقة على تنمية مواردها وتشغيل شبابها وتطوير صناعاتها وفق سياسة الشراكة "في السابق"، هدموا كل شيء ووطّنوا الإرهاب.

إن محاولة الاتحاد الأوروبي العمل على وقف الهجرة غير الشرعية لن يكتب لها النجاح ببناء الجدران وقتل المهاجرين أو بإغراق سفنهم، فمعالجة المشكلة في المقلب الآخر، لأنها تحتاج إلى إطفاء النيران التي أشعلوها, ومساعدة سورية والعراق وليبيا في مكافحة الإرهاب، ووقف دعم الإرهابيين, ومحاسبة الدول التي احتضنت هؤلاء ولا تزال تراهن على جرائمهم لرسم معادلات جديدة في المنطقة وفي العالم.

خسارة كبيرة هؤلاء الأبرياء الذين يقضون غرقاً وحرقاً وجوعاً سواء كانوا سوريين أم ليبيين أم عراقيين، لكن الولايات المتحدة وأوروبا وبعض دول المنطقة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تلك المآسي الإنسانية.

جريدة تشرين

مركز الإعلام الالكتروني

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=25400