نافذة على الصحافة

تدمير التراث الحضاري.. جريمة لن تغسلها إدانة


نشرت صحيفة (الوطن) العمانية مقالاً بعنوان "تدمير التراث الحضاري.. جريمة لن تغسلها إدانة" جاء فيه:

في الوقت الذي يواصل فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي مسار تهويده لمدينة القدس المحتلة وطمس هويتها بتدمير كل ما يمت إلى تاريخها العربي والإسلامي والمسيحي، يواصل في الاتجاه ذاته تنظيم "داعش" الإرهابي التدمير الحضاري والإنساني ومحاولات طمس التاريخ وشواهده وآثاره في العراق وسورية.

 

إنه مشهد مؤلم ومثير للانتباه، ولكنه لا يمكن للمصادفة أن تقود إلى هذه المواكبة والتزامن بين الإرهابيْن الإسرائيلي والداعشي، بل إن عنصري التزامن والمواكبة هما دليل على حقيقة التبعية المطلقة من هذه التنظيمات الإرهابية التي تقتل وتدمر وتعيث فساداً في سورية والعراق وليبيا وغيرها لمن أنتجوها وربوها وفي مقدمهم كيان الاحتلال الإسرائيلي، فالأدوار الوظيفية التي تلعبها التنظيمات الإرهابية اليوم لا تخدم سوى طرف واحد وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي ومن ورائه حلفاؤه الاستراتيجيون.

 

إذ لا يمكن أن يعتدي بهذه الوحشية على شواهد الحضارة والإنسانية ورموز الفكر والفن والعلم والتاريخ إلا من هو حاقد كاره تسري في دمائه الأحقاد وتتجذر في فكره الكراهية، وهو اعتداء يعبر عن شعور بالنقص وخواء من الهوية والتاريخ والحضارة، كيف لا؟ وهؤلاء جميعهم إما جلبوا من المنافي والمواخير وللتخلص منهم ومن أعبائهم، وإما خرجوا من رحم فكر أيديولوجي إقصائي تدميري تخريبي لا يؤمن بالإنسانية، ولا بالحضارة، ولا بالتراث، ينظر إلى الحجارة وجذوع النخل والشجر على أنها أصنام، وإلى شواهد تعاقب الحضارات وما قدمته من علوم، وما أضافته من ثراء تاريخي وتراثي، وما أرسلته من عبر ومواعظ على أنها شرك ووثن، فينبغي تدمير كل ذلك.

 

فإذًا التلاقي بين الإرهابيْن في فلسطين المحتلة وخارجها لم تفرضه المصادفة، وإنما كلاهما ينطلق من الحقد والكراهية والإقصاء.

 

فبعد الجريمة الكبرى التي أقدم عليها تنظيم "داعش" الإرهابي في الموصل بتدمير متحفها التاريخي، ها هو التنظيم الإرهابي يقدم على جريمة أخرى في مدينة تدمر الأثرية، لؤلؤة الصحراء المدرجة على لائحة التراث العالمي، بتفجيره المعبد التاريخي الشهير المسمى "بعل شمين" الذي يبلغ عمره 2000عام، والذي أكدت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو" إيرينا بوكوفا أن ما أقدم عليه "داعش" يرقى إلى مستوى جريمة حرب.

 

وبحساب الزمن والتاريخ والوقوف على مفاصل الأحداث، فإن التراث الإنساني الثقافي والحضاري لم يتعرض لأي تهديد على مدار آلاف السنين، فحضارة ما قبل الإسلام في العراق وسورية لم تتعرض لهذا التدمير الممنهج لا في صدر الإسلام ولا في عهد الصحابة أو التابعين، ولا حتى في عهد الدولتين الأموية والعباسية وما تلاها، إلا في ظل صناعة التطرف والإرهاب والفكر التكفيري التي تزدهر اليوم على أنقاض الحضارة العربية، التي يتم تدميرها في ظل الفوضى والعنف والإرهاب والطائفية، التي باتت تهدد التعايش السلمي، الذي استقر في منطقة الشرق الأوسط، والتي تضم ثقافات وعقائد دينية متنوعة.

 

إنها جريمة بحق التاريخ والحضارة الإنسانية لن تغسلها إدانة من هذا المسؤول الأممي أو ذاك السياسي المتآمر الداعم للإرهاب والمرتبط بعصابات الإرهاب والتكفير، بل ستظل وصمة عار في جبين التجار وسماسرة الحروب والعملاء والخونة والإرهابيين والتكفيريين ممن ابتليت بهم هذه الأمة تلاحقهم في حياتهم ومماتهم.

 

مركز الإعلام الالكتروني

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=25177