وجهات نظر

"طلعت ريحتكم".. والأنظمة الطائفية

أحمد حسن


بعيداً عن تعبير "المندسين" و"الجهات الثالثة" التي تحاول الإيقاع بين المتظاهرين السلميين في حملة "طلعت ريحتكم" والحكومة، وهي المصطلحات التي أصبح الساسة في لبنان وإعلامهم يؤمنون بها ويطلقونها ضد الحراك الشعبي المدني المطلبي الذي لم يكن يطمح، قبل مواجهته بالعنف، إلا لإزالة النفايات من الشوارع التي راكمها عدم التوافق على "الحصص" من الغنيمة بين الحاكمين، بعيداً عن ذلك كله، ربما يدفع تعنت زعماء الطوائف، وتوحّدهم في وجه هذا الحراك، بالبعض إلى إعادة النظر بـ "هوس" الترويج للنظام الطائفي السياسي الملهم، كما وصفوه، في محاولة منهم لتقديمه نموذجاً لسورية الغد، على ما يلمح ويصرح "دي ميستورا" وسواه من الجهابذة و"المفكرين"، وهو النظام الذي وصل تطبيق نموذجه العراقي إلى ما نراه ونعرفه، واللبناني إلى انتشار ظاهرة ساسة النفايات التي عمت رائحتها، ورائحتهم، على الجميع بعدالة وديمقراطية لا يمكن نكرانهما.

وإذا كان "أرسطو" يقول: إن الدولة "تستهدف قدر المستطاع أن تكون مجتمعاً مكوناً من أنداد وأتراب"، فإن الدولة الطائفية، كما أثبت الواقع، لا تستطيع، ولا يمكن لها، أن تكون مجتمعاً واحداً، بل إنها لا تعدو أن تكون وعاء اجتماع لطوائف ومذاهب تشكل وحدات متصارعة أو غير قابلة للتوحد في أحسن الأحوال، وغير قابلة للتطور والتقدم أيضاً، لأن"زمن" الطوائف ليس المستقبل، بل الماضي حيث "الحقائق النهائيّة"، التي امتلكتها سابقاً مرة واحدة وإلى الأبد، وهذا "امتلاك" إضافة إلى كونه وصفة الحروب الأهلية الدائمة، والانكشاف الدائم أمام الخارج-وهذا على ما يبدو "نية فاعلي الخير" الذين يحلمون بتطبيق النموذج اللبناني في سورية- فإنه ينفي أي وجود حالي أو إمكانية تحقق مستقبلي للديمقراطية الحقة، لكنه يسمح بديمقراطية شكلية "تعتاش" على شرعية الصناديق التي لا تفتح مرة إلا لتمتلئ بالعشيرة والقبيلة والطائفة والمذهب ثم إنها، أي الطوائف وزعماؤها، تضرب بهذه الصناديق وشرعيتها الزائفة، ومعها المواثيق الوطنية والدساتير والقوانين، عرض الحائط، وتمدد لنفسها بنفسها حين تستشعر خطراً ما من هذه "الصناديق" ذاتها على مكتسباتها وغنائمها، وبالتالي تلغي جوهر الديمقراطية المتمثل بحق الشعب في محاسبة حكامه في مواعيد انتخابية دستورية دورية محددة سابقاً.

فالدولة عند أصحاب انتماءات ومشاريع ما قبل الدولة، ليست سوى غنيمة سائغة لهم، وبالتالي يمكن لنا فهم كيف يطبق القانون فيها بصرامة على قاتل فرد واحد أو لص صغير، ويجعل من قاتل عشرات الآلاف، وبينهم رئيس وزراء، "مرشحاً طبيعياً" لرئاسة الجمهورية، ومن ناهب المليارات رئيساً للوزراء، فالشرط "الوطني" هو مدى التبعية للخارج ورضاه وليس للداخل ورضا الشعب، كما يمكن أن نفهم كيف يصبح أي تحرك مدني خارج إرادة الزعيم الطائفي، ولو كان مطلبياً بسيطاً، تحركاً مشبوهاً وانقلابياً، لا يجب السماح به، لأن الحقوق هي منحة وهبة من الزعيم، والأشنع من ذلك أن يطالب هؤلاء "المدنيون" باستقالة وزير ما، فيكون الرفض، كما سمعنا، ليس لعدم أحقية المطلب، بل لأن هؤلاء "المدنيين" لا يمثلون الشعب، الذي لا يختصره الوزير وأمثاله بفريقه الطائفي فقط لا غير.

بالمحصلة وكما قال الكبير سليم الحص: في النظام الطائفي الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية، ونحن نريد الكثير منهما معاً، وهذا لا يتحقق، في وضعنا العربي الحالي إلا بتفكيك بنى ما قبل الدولة مثل القبيلة والعشيرة، والبنية المذهبية أيضاً، وليس إعادة تعويمهما، كما في بناء الدولة المدنية التي لا تتحدد مكانة الفرد فيها سوى بمواطنيته الكاملة لا بالشرط الطائفي، الذي لا يرى الآخر إلا"كافراً" بالمعنى السياسي والديني، وبالتالي لا وجود له إلا تابعاً خانعاً أو ميتاً بالمعنى المادي والمعنوي، وهذا أس "داعش"-وأشقائه- وأساسه مهما كابر البعض أو أنكر.

البعث

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=25137