وجهات نظر

البعد الثالث للحقيقة

ناظم عيد


كتب ناظم عيد مقالاً في جريدة (البعث) تحت عنوان " البعد الثالث للحقيقة" جاء فيه:

يغرق الثنائي "الإسرائيلي-التركي" حالياً في حالة استنفارات قصوى على خلفيات تطورات المشهد الميداني السوري وكواليسه السياسية، ربما هي أشبه بهيجان وسُعار القطط المحاصرة، فثمة مستجدات من شأنها توزيع جرعات القلق على كل معدي وصفات الموت المعلّب المصدرة إلى سورية، وليس فقط على متصدري مهمة الدعم والإسناد المباشر للجماعات الإرهابية بمسمياتها المتعددة.

ورغم أن بصمات الدمار الحاصل هنا، تكشف هويات الأكف السوداء الكثيرة التي شاركت في جرائم من النوع المشهود للعلن بحق سورية، إلّا أن البصمات "الإسرائيلية" والتركية تبدو علامة فارقة وقرينة إدانة صريحة لم تترك لغزاً في أزمتنا دون حل، ففي القلمون والزبداني كان صراعنا مباشراً مع عدو إسرائيلي-تركي، وفي الجبهة الجنوبية كانت المتلازمة أوسع والعدو إسرائيلي-تركي-سعودي-قطري، وفي الشمال أيضاً تكررت الهويات ذاتها مع بروز سافر للدور التركي.

من هنا يغدو علينا تقدير حجم الرّض القاسي الذي يعتري أبرز طرفين في إيقاد النار السورية، لكن علينا أيضاً توقّع ردات فعل، ربما غير مسبوقة في مستويات الحماقة المعهودة بهما، لأن الإسرائيلي محاصر الآن بمتوالية إحباط تبدأ من هنا من مجريات الميدان العسكري، التي رسخت وقائع فشل ذريع لخواتيم ومؤديات أجندة الاستهداف التي صاغها منذ بداية الحرب على سورية، ولن تنتهي عند حلقة الإنجاز الحالي والنفاذ القادم للاتفاق النووي بين إيران ودول "5+1"، ثم تبعات أي حل يلوح في الأفق للمسألة السورية، والتركي محاصر بالوقائع ذاتها مع المثقل الأصعب وهو تقلقل الوضع الداخلي لديه، واشتعال فتيل التوترات الدامية التي تتجه صعوداً في متوالية يصعب التكهن بنهاياتها.

على العموم لا تبدو ملامح الحلحلة التي تلوح في الأفق هذه الأيام للأوضاع في سورية، سهلة العبور من البرازخ الضيقة التي أنتجها قطاع الطرق التقليديون – ليس فقط الإسرائيليون والأتراك- على كل مبادرات السلام في المنطقة، ومنها سورية، فإن خرج اللاعب الأميركي، ولو بأقل طموحاته، من لعبة مصالح "الكبار"، لا نعتقد أن أدواته يمكن أن تسترخي لما تشي به "منتجات" الميدان العسكري الإيجابية وامتداداتها المباشرة التأثير في الأروقة السياسية الفاعلة في الوضع الدولي عموماً وليس في سورية فحسب.

والواقع أن هؤلاء – الأدوات- أمام حالة استصعاب واضحة للاستسلام والتسليم بالهزيمة التي باتت مؤكدة، وهذا ليس تفاؤلاً أجوفَ، بل إرادة دولية أنتجها الصمود السوري، ولو لجأ بعضهم إلى لغة المصالح وانتحال صفة منتصر في المساحات البعيدة عن طيف السيادة السورية.

استصعاب يتعدى البعد المعنوي تماماً إلى مضمار اجترار قسري لانعكاسات انتصار سورية، وعلى المراقبين الآن رصد تجليات نذر الأزمات التي بدأت تقدّم نفسها عنوة في داخل تركيا وبلدان عربية كانت فاعلة في تخريب الداخل السوري، كما سيكون هناك تبعات "كبرى" في داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي حاول استراق الزمن لإنجاز تصفيات حاقدة مع المقاومة الفلسطينية، شاغلاً العالم بيوميات الحرب على سورية، وفشل في التصفيات وحتى في الوصول إلى توافقات يسترخي إزاءها من هاجسه الأمني.

الوضع الآن مرشح لما يمكن تصنيفه في خانة المفاجآت السارة والمطمئنة لنا كسوريين، ولو على إيقاع العمليات العسكرية ونجاحات الجيش العربي السوري، ومفاجآت – نتركها دون تصنيف– ستنتج في مطارح متعددة وستعلن نفسها بالتدرج قريباً، فنظرية "الأواني المستطرقة" ليست مجرد حالة فيزيائية، بل تجد تطبيقاتها الدقيقة في عالم السياسة أيضاً.

مركز الإعلام الالكتروني

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=24836