وجهات نظر

التسوية السياسية لأزمة المخيم .. أضغاث أحلام

حسام عرفات


في مقال سابق لي بعنوان ((مخيم اليرموك بين التسوية السياسية والحسم العسكري)) بتاريخ 15 تشرين ثاني الماضي توقعت ومن المعطيات المتوفرة لدي، أن إعلان الفصائل المسلحة في مخيم اليرموك عن رغبتهم بحل سياسي لأزمة المخيم ماهي إلا كسباً للوقت ومناورة سياسية اقتضتها الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش السوري عسكرياً وخصوصاً في منطقتي السبينة وحجيرة وإحكام الطوق العسكري علي مخيم اليرموك.
وللأسف فإن توقعاتي قد صدقت حيث أنه وبعد شهر كامل من المناورات والمماطلة والتسويف والمبادرات أعلنت الجماعات المسلحة في مخيم اليرموك رفضها أي اتفاق بشان مخيم اليرموك وأشعلت جبهات القتال على محاور المخيم وقامت بعملية استعراض عسكري في الشوارع الرئيسية مما يؤكد عدم صحة إدعاءاتها أثناء المفاوضات بأنها انسحبت من المخيم ونفذت ماعليها من التزامات.
ورغم التضليل الذي مارسته وسائل الإعلام المحسوبة على دول إقليمية تدعم هذه الجماعات باتهام فصائل التحالف وتحديداً الجبهة الشعبية القيادة العامة بنقض الهدنة وإفشالها وعدم الالتزام بها إلا أن لجنة المصالحة المستقلة برئاسة الشيخ العمري رئيس اللجنة وفي مؤتمر صحفي عقدته في مقر المجلس الوطني الفلسطيني في دمشق يوم السبت أعلنت أن المسؤول عن فشل الاتفاق وانهيار الهدنة هي الجماعات المسلحة التي استجابت لأوامر مموليها في الخارج وباعت أهلها وشعبها من أجل حفنة من الدراهم.
ومنذ إعلان المسلحين نقض التهدئة فجر السبت 14/12/2013 اشتعلت المعارك على أطراف المخيم بين اللجان الشعبية وفصائل التحالف من جهة وبين هذه الجماعات المسلحة التي قامت  بحملة من الإعتقالات في صفوف الأهالي والشخصيات المؤيدة للمبادرة وللحل السلمي والذين أعلنو رغبتهم في تسوية أوضاعهم لدي الدولة السورية، وكذلك اعتقلت عناصر الإغاثة الإنسانية في المخيم وأعضاء في الهيئات الوطنية التي تقوم بدور إنساني، حيث قامت جماعة مسلحة متشددة باعتقال عضو الهيئة الوطنية الفلسطينية السيد يوسف الخطيب صباح الأحد واقتادوه بصورة وحشية إلى جهة مجهولة  وأوسعوه ضربا أمام أعين الناس.
لقد بدأت المعركة وأقلع الحل العسكري من مراسيه ودفنت التسوية السياسية لأزمة مخيم اليرموك إلى غير رجعة، حيث أثبتت تجربة الشهرالفائت أن آخر ماتفكر فيه هذه الجماعات هو ترك المخيم بشكل سلمي، وأثبتت كل تجارب ومعارك الجيش السوري طوال أزمة الثلاث سنوات أن هؤلاء المسلحين لم ولن يغادروا أي منطقة سلمياً.
وبالتالي فإن الجماعات المسلحة في مخيم اليرموك لن تغادره سلمياً، وهنا في حالة المخيم تحديداً يمكن التحدث عن سببين رئيسيين :
الأول : سبب سياسي يتمثل في أن توقيت الحديث عن حل سياسي لأزمة مخيم اليرموك يأتي في ظل الحديث عن حل شامل للأزمة السورية في جنيف 2 وتحاول الدول الراعية والممولة لهذه الجماعات أن تذهب إلى هذا المؤتمر ومخيم اليرموك رهينةً بأيديها لاستخدامه كورقة تفاوضية ضاغطة على الدولة السورية لما تشكله المخيمات الفلسطينية وعلى الأخص مخيم اليرموك من رمزية هامة لجوهر القضية الفلسطينية، ولما تشكله استناداً لذلك من مادة دعائية دسمة في الحرب الاإعلامية المتواصلة ضد سورية وقيادتها.
الثاني : سبب اقتصادي إذ ان مخيم اليرموك أصبح بالنسبة لهذه المجموعات بقرة حلوب عبرالمتاجرة بالمواد الغذائية والسلع الأساسية التي يقوم هؤلاء بتهريبها إلي داخل المخيم وبيعها بأثمان خيالية حيث وصل كيلوا الأرز إلي مايقارب العشرين دولار, مما حدا بسكان المخيم وخلال الشهر الفائت وفترة الهدوء والبحث عن حل سياسي للأزمة إلى الخروج بتظاهرات شعبية كبيرة ضد هؤلاء التجار وهاجموا بسطاتهم ودمروها.

عموماً ومهما كانت الأسباب التفصيلية فإن المعلومات تؤكد أن دولاً إقليمية خليجية في مقدمتها السعودية هي من تسبب بإفشال الحل السياسي في المخيم، الهدف السعودي من تعطيل الاتفاق هو إبقاء المخيم ومعاناة أهله ورقة ومادة للمتاجرة والضغط السياسي علي الدولة السورية في سياق المعركة التي تخوضها سورية لمواجهة المشروع الصهيوأمريكي الخليجي الذي يستهدف تسديد ضربة وتسجيل اختراق في محورالمقاومة من خلال إسقاط القيادة السياسية القومية في سورية التي تشكل الآن العمود الفقري لمحور المقاومة.
وباتت العائلة المالكة في السعودية تعلم علم اليقين أن بقاءها أو زوالها مرهون بشكل نهاية المعركة في سورية.
ومن أجل ذلك فهي – أي آل سعود-  أصرت على المضي في المعركة  حتى النهاية ولذلك فهي لاتدخر جهداً في تعطيل أي بارقة أمل في انتهاء الحرب سواء في مخيم اليرموك أو غيره في محاولة لاستنزاف الجيش والدولة السورية.
إن الخطأ السابق الذي ارتكبته فصائل التحالف والذي تمثل في الوقوع في وهم إمكانية إيجاد حل سياسي مع المسلحين لأزمة المخيم ينبغي أن لايتكرر وينبغي أن يستمر الضغط العسكري على هذه الجماعات حتى تعلن استسلامها الكامل وتنفذ كل شروط اتفاقية المخيم التي في جوهرها إخلاء المخيم من المسلحين والأسلحة والتأكد من ذلك بوحدات متخصصة من الجهات الرسمية لتأمين عودة غير مأمونة للسكان النازحين خارج المخيم والذين يقدر نسبتهم بما يزيد عن 80% من سكانه.
إن تحقيق نصرعسكري في مخيم االيرموك وبشكل سريع – وهذا ممكن- سيشكل ضربة موجعة للمخطط الصهيوأمريكي والخليجي وتحديداً السعودي وسينزع من أيدي هؤلاء ورقة طالما تاجروا بها واستغلوها في مواجهة سورية وجيشها وقيادتها.
أما حول المعضلة الجوهرية المتمثلة بوجود حوالي 12الف من المدنيين في داخل المخيم وهؤلاء سيكونوا عرضة للأذي بسبب المعارك مع المسلحين ناهيك عن أن المسلحين يتخذونهم دروعاً بشرية ويحتمون بهم فإن الحل لهذه المعضلة يكمن في العودة إلى المبادرة المنطقية الأساسية التي طرحتها الجبهة الشعبية القيادة العامة وفصائل التحالف ووافقت عليها بل وتبنتها الدولة السورية والمتمثلة في إيجاد ممر آمن للمدنيين للخروج من المخيم إلى مراكز إيواء معدة خصيصاً لاستيعابهم ووفق شروط إنسانية معقولة لحين حسم الأمر في المخيم.

إن شروط نجاح الحل العسكري لمخيم اليرموك يتطلب أمرين : الأمر الأول وجود خطة عسكرية محكمة وخلاقة وغير تقليدية تتناسب مع طبيعة المعركة التي تقتضي حرب شوارع وزواريب ولنا في في تجربة حزب الله في معركة القصير مثالاً نموذجياً على ذلك.
والثاني يتمثل بضرورة أن توفر الفصائل الفلسطينية كافة ومنظمة التحرير الغطاء السياسي لهذا الحل العسكري حيث أصبح موقفها المعلن بعدم التدخل يعني خدمة  مجانية لمختطفي اليرموك للاستفادة من هذا الموقف لإطالة امد الأزمة ومعاناة الناس.
على الفصائل الفلسطينية المؤ ثرة بالازمة ان تعلن بوضوح وبشكل سريع ان مبادرة إيواء السكان الخارجين من المخيم مازالت قائمة بكافة بنودها, وأن الوعد بتسوية أوضاع من يرغب من المسلحين الفلسطينيين مازال متاحاً أيضاً.
والأمر الآخير الذي ينبغي التنبه له هو ضرورة تطوير الحملة الاعلامية المرافقة لهذا الحل ومشاركة كل قنوات محور الممانعة في تغطية هذا الخيار والتوجه وشرح استهدافاته لكي لايظل – إعلامياً - مجرد معركة عسكرية تخوضها الفصائل الفلسطينية خدمة للنظام وليس لمصلحة شعب مخيم اليرموك الجريح.
الخلاصة .. الحل العسكري هو الخيار الواقعي لازمة مخيم اليرموك, أما الحل السياسي فهو أضغاث أحلام.


حسام عرفات
husamarafat44@yahoo.com

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=2442