وجهات نظر

القراءة الاستراتيجية مع انهيار عواصف الوهم

عبد الله أحمد


تحت عنوان "القراءة الاستراتيجية مع انهيار عواصف الوهم" كتب الباحث والخبير الجيو سياسي عبد الله أحمد مقالاً في الموقع الأخباري "بتوقيت دمشق" جاء فيه:

كلّ شيء في الشرق الأوسط وثيق الصلة إلى كلّ جزء آخر، ولكن في كلّ زاوية غموض وضبابية، فتفجير المنطقة من خلال الصراعات وتقاطع المشاريع والمصالح يحمل في طياته مخاطر كبيرة، تجعل التحكم في مسار الأحداث صعب المنال، وتبدو قدرة أصحاب المشاريع الغربية على حماية ما يطلق عليه "المصالح الحيوية" في الشرق الأوسط بعيد المنال لكون منسوب القوة لدى الولايات المتحدة الامريكية قد بدأ يتراجع والفراغ لا يمكن أن يُملئ من خلال الوكلاء الإقليميين" .

إلاّ أن المقاربة لمِا يجري في المنطقة من قبل بعض المحللين والباحثين غير دقيق، ويستدعي إعادة توجيه من خلال فهم حقيقة ما يجري في المنطقة والعالم.
فالعالم الآن في حالة ضبابية بسبب عوامل وتناقضات مختلفة.. تتصارع فيها المشاريع الكبرى لرسم خارطة نفوذ عالمي جديد، فتراجع القوة العظمى أي الولايات المتحدة الامريكية أدى إلى ظهور أقوى لحركة ونفوذ القوى الاقليمية في المنطقة والعالم، وبدت هذه القوى وكأنها صاحبه القرار في المنطقة ككل، ومن هنا نفهم سياسيات الدول الاقليمية في منطقتنا والصراع على توسيع النفوذ، وكذلك نفهم الهلع السعودي من المستقبل القريب لأن رياح المنطقة وعواصفها تشي بتغيرات كبيرة لمصلحة أبناء المنطقة وتطلعات الشعوب الممانعة للمشاريع الغربية.

سورية قلبت الموازين الجيوسياسية في المنطقة، فصمود سورية أدى إلى تداعيات كبيرة وهزات ارتدادية في مجمل المنطقة، وفتح الطريق لصمود جبهات أخرى ومنها الجبهة اليمنية، وإلى التصلب الروسي وإعادة التوازن فيما يخصّ أوكرانيا.

هذا الصمود الأسطوري، أدى إلى الحفاظ على الدولة السورية وتغير حسابات المنطقة، ودعا الرئيس أوباما الذي يسعى الى الهيمنة على المنطقة من خلال إضعاف الدول إلى المضي قِدماً في مشروعه المعاكس لمشروع التقسيم، ودفعة بقوة إلى الدفاع عن إعلان التفاهم مع إيران، واستثمار ذلك داخلياً، وذلك قبل الوصول الى الانتخابات الرئاسية في نهاية 2016، لمنع المحافظين الجدد من الوصول الى السلطة، بالمقابل سعى أصحاب مشروع التقسيم للتصعيد في أكثر من منطقة.
وهنا لا بدّ من الايضاح الى أن التفاهم مع إيران لا يعني الوصول الى اتفاق نهائي مع نهاية حزيران 2015، وسوف تستمر المفاوضات ويؤجل التوقيع بذرائع مختلفة الى أبعد زمن ممكن.

بالنسبة لأمريكا فالمشكلة ليست السلاح النووي الإيراني، وإنما اكتساب المعرفة في المجال النووي خارج سيطرة أو إشراف الولايات المتحدة ، وهذا الإعلان عن التفاهم مع ايران ـ بالتزامن مع الإيحاء بأن الولايات المتحدة لا تمانع تدخل السعودية في اليمن، دفع السعودية بقوّة الى رمال اليمن المتحركة، وأدى الى الوقوع بهذا الخطأ الاستراتيجي الكبير، والذي سوف يؤدي حكماً إلى توتر وتغيرات جوهرية في السعودية وانحسار النفوذ والقوة لدى المحافظين الجدد من داخل المملكة وخارجها، وبداية زعزعة استقرار السعودية داخلياً، وهذا يخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يتبناه أوباما، ومن هنا نفهم تصريحاته لنيويورك تايمز، ودفع المحافظين الجدد إلى مغامرات جديدة وانهاكهم من خلال إعادة التدخل العنيف ومحاولة إحياء مشروع التقسيم في سوريا والمنطقة، ولا يمكن تفسير أداء أوباما بتغير على مستوى العقيدة أو الاستراتيجية الأمريكية، أوباما يسعى إلى تحقيق مصالح أمريكا من خلال إضعاف الدول والهيمنة على قرارها ولكن دون أن تُقسم، ويسعى من جهة أخرى أن استمرار جناحه في الحكم بعد 2016 ومنع المحافظين الجدد من الوصول إلى السلطة من خلال إسقاط أو اضعاف مشاريعهم.

العدوان السعودي العسكري في اليمن سوف ينعكس إيجاباً على سوريا لأنه يعرّي الفكر الوهابي، وسيؤدى حكماً الى تقليص دورها على المدى المتوسط، وإعلان توقف العدوان على اليمن يراكم نقاط مهمة لمحور المقاومة من خلال إفشال خطط المحافظين الجدد في المنطقة.

فشل العدوان السعودي على اليمن، لا يعني انتهاء الحرب في المنطقة لكون تداعيات هذا العدوان الفاشل، هو الدفع باتجاه إحداث تغيرات في منظومة الحكم السعودي والإيعاز بتشكيل تحالف جديد يضمّ دول ما يسمى الاعتدال العربي "الرجعية العربية" وهذا ما بشر به مارتن انديك في مقاله لمعهد واشطن لسياسيات الشرق الأوسط "أي العودة الى لعبة الشرق الأوسط القديمة"، أي تشكيل حلف يضم السعودية ومصر وتركيا.

الفشل السعودي والغربي في اليمن وانهيار عواصف الوهم، ومحاولات التعويض من خلال احداث اختراق على جبهات الحرب في سورية ،يفسر امر العمليات الذي اعطي للمجموعات الارهابية في سوريا، ويفسر التّقارب السعودي التركي في محاولة يائسة لإعادة انتاج الازمة واستثمار ذلك في المرحلة القادمة.

ستشهد المنطقة أحداث قد تكون مفاجئة وسريعة في أكثر من جبهة، تصعيد في الجبهات السورية، أحداث قد تغير المعادلات الحالية في تركيا بالتزامن مع الانتخابات التركية في حزيران القادم، ارتدادات العدوان السعودي على اليمن وسيناريوهات تشكيل تحالفات إقليمية برعاية غربية.

خوف الدول الاقليمية من تقلّص النفوذ فيما يخصّ المجالات الحيوية المفترضة قد يؤدي إلى رسم تحالفات جديدة، بمباركة الدول الكبرى، وسيتم رسم هذه التحالفات على خط ما يسمى الصراع الديني، فالمسعى الحقيقي الغربي هو تشكيل حلف ممتد من السعودية الى مصر– تركيا_ باكستان لاستهداف سوريا وايران وروسيا.

التغير الاستراتيجي الحالي فرضته إرادة القوى الممانعة للمشاريع الغربية، فرضه الجيش العربي السوري وحكمة وثبات القيادة السورية، وانسحاب الولايات المتحدة التدريجي من المنطقة وتركيزها على منطقة شرق آسيا يراكم نقاط القوة لقوى المقاومة، ويفتح الباب واسعاً لهزيمة المشروع الغربي في سورية.

مركز الإعلام الإلكتروني 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=20744