وجهات نظر

بلودان.. هل يعود الزمن الجميل!

نسرين ترك


الإعلام الالكتروني

ما إن تُقطع مسافة 50 كيلومتر عن مركز العاصمة السورية في الاتجاه  الشمالي الغربي، حتى يصل الارتفاع إلى نحو 1550م فوق سطح البحر, تداخل مذهل بين الإطلالة الخضراء على بساتين الزبداني، وطبيعة المناخ الذي جعل من بلودان أهم المصايف في المنطقة.


رحلة القطار الذي يمر بأكثر من عشرين محطة بدءاً من دمشق وحتى سرغايا زرعت في ذاكرة كل زائر، وهو يمر على أوابد تاريخية تروي عراقة دمشق وحضارتها، لتحكي جمال الطبيعة بكل إبداعاتها، فيتبادر إلى الأذهان  كلمات أغنية قديمة كانت ترددها ألسنة المسافرين "صفر صفر يا بابور وخدنا ع الزبداني..  ببقين منعمل فطور الغدا ببلوداني".. فالوجهة إذاَ هي بلودان..


أوهام كثيرة  ترتسم في الأذهان حول واقع بلدة كانت الأكثر شهرة واستقطاباً للسيّاح في سورية، لما فيها من منتزهات ومنشأت سياحية فاخرة كالفنادق والمطاعم، والتي فضّلها الفنان محمد عبد الوهاب على جميع أماكن الاصطياف في العالم.
أمّا اليوم، لا يمكن التفكير بقصدها إلا للضرورة، فالطريق "سالك بصعوبة" وليس الثلج هو العذر هذه المرة, فالتشديد الأمني كبير لبلدة محاطة بالخطر..  لتغدو في غياهب النسيان.


فمع غياب الشمس يخيّم الظلام ويطبق سكون تام على البلدة فيما عدا أصوات حيونات برية يتناهى إلى السمع.. ففي حضرة الحرب لا إضاءة  في البلدة، هي ساعة واحدة حصّة بلودان من الكهرباء يومياً، وكثيراً ما تتجاوزها ليخيم الظلام التام لأيام متواصلة.. 


ملامح البلدة غدت حزينة، شوارعها التي اعتادت أن تفيض بالسيّاح صيفاً وشتاء، بدت اليوم فاقدة للحياة، معزولة عن العالم في ظل غياب وسائل الإتصال على أنواعها، وبدلاً من السيّاح، غدت بلودان ملاذاً لأهالي مدينة الزبداني الذين وجدوا من بيوتها أماكن آمنة بعيداً عن الحرب وأعمال العنف والإرهاب، حيث يتمركز المسلحون منذ سنوات في سهل الزبداني.


وفيما تتجول في شوارع البلدة من الساحة الرئيسية، مرورا بساحة "العين" وسط البلدة وصولا إلى نهاية طلعة أبو زاد، والتي تشكل حدود بلودان اليوم.. لن تلتقي إلاّ  بكبار البلدة وقد خرجوا لتبادل الأحاديث والأخبار في ظل ما يعيشونه من عزلة، لا زوار تضجّ بهم شوارع البلدة ولا مطاعم تحتفي بزوارها، فالأماكن التي اعتاد السياح قصدها في جبال البلدة باتت مدمرة، حيث يختبئ المسلحون في الجبال المحيطة بالبلدة وجبل يونان، بالإضافة للطبيعة الجغرافية الصعبة في المنطقة والتي تسمح للمسلحين بالتنقل بين الجبال المحيطة ببلودان وسرغايا والزبداني.


وبينما كانت السياحة المصدر الأساسي للدخل لمعظم الأهالي في بلدة استقطبت الكثيراَ من الاستثمارات الهامة والمشاريع التي بشّرت بمصيف استثنائي في سورية.. بات السكان اليوم يلجأون إلى الأعمال البدائية لتأمين لقمة العيش، فالسياحة اليوم  في عداد الأموات.


مع ظروف الحرب الاسثنائية وفي جو شديد البرودة باتت الحياة تُختزل لدى أهل البلدة بتأمين رغيف خبز ووسيلة تمنح بعض الدفء بأقل تكلفة ممكنة، وفيما يحلّ  الشتاء ضيفاَ ثقيلاً في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة، ومع صعوبة تأمين مادة المازوت للتدقئة، وجد الكثيرون من أشجار وغابات سهل الزبداني خيارهم الأخير لمواجهة لعنة البرد في بلدة تصل فيها درجات الحرارة حدّ التجمد، ليتم إدراج الطبيعة على قائمة ضحايا الحرب.


جميع الزوايا تشي بحزن عميق لتخبرك عن أزمة طالت الروح والنفس قبل الجسد، ليبقى السؤال: كم من  السنوات تحتاج بلودان كما كل سورية، لتشفى من جراحها وتعود لأيام الزمن الجميل ؟؟

 نسرين ترك

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=17239