نافذة على الصحافة

اللهم لا شماتة... ولكن!!


الإعلام الالكتروني

د. بسام أبو عبد الله
لا شماتة في الموت، والجريمة، والقتل، والإرهاب، فما حدث لصحيفة «تشارلي إيبدو» الفرنسية هو عمل مدان لا يتفق مع أخلاقنا، وجذورنا الحضارية، وهويتنا الثقافية، إذ إن الإرهاب مرفوض، ومدان، ولكن عندما يكون مقياسه واحداً ومعاييره واحدة، وليس إرهاباً حلالاً- وإرهاباً حراماً..
حملة ضخمة انطلقت في فرنسا بعد هذه الحادثة الإرهابية، من تجمع كبير شهدته باريس لداعمي (الإرهاب) من تركيا، إلى السعودية- قطر- البحرين- الكيان الصهيوني إلى جوقة منافقين على الشاشات انبروا للدفاع عن التنوع الثقافي- والحضاري وعن حرية الإعلام والتعبير، دون أن يسأل أي من هؤلاء الذين رفعوا شعار (أنا تشارلي)- ماذا عن ضحايا الإرهاب لدينا، وماذا عن شهدائنا، وعن آلامنا، وجراحاتنا، وموتانا..؟
لم يسأل أحد عن ردود فعل العالم الحر هذا!! بعد قيام مجموعة إرهابية تكفيرية في حزيران من عام 2012 باقتحام مقر قناة الإخبارية السورية واغتيال سامي أبو أمين، وزيد كحل، ومحمد شمة، وحراس المبنى بدم بارد بطريقة لا تختلف عن طريقة قتل الصحفيين في (تشارلي إيبدو)، ولم يسأل أحد عن ردود فعل العالم الحر- عندما استهدف التلفزيون العربي السوري بسيارتين مفخختين من تنظيم إرهابي مصنف دولياً اسمه (جبهة النصرة)!! ولم يسأل أحد عن ردود فعل هذا العالم الحر- وضحايانا يتساقطون في المدارس والجامعات، والمعامل، والجوامع، والكنائس في مواجهة الإرهاب الذي صنعه- ودعمه أولاند، وفابيوس، وحلفاؤهم من أنظمة الفاشية الدينية في الدوحة، والرياض، وأنقرة، وتل أبيب.. وغيرهم..
لم يسأل أحد زعماء العالم الحر هذا- عن سر تحالفهم مع مملكة الطغيان في الرياض، التي أصدر جهازها القضائي العادل جداً!! قراراً بجلد مدون سعودي اسمه (رائف بدوي) (1000) جلدة، وفي كل أسبوع سيمارسون الجلد على مرأى- ومسمع هذا العالم الحر، دون أن نسمع كلمة إدانة واحدة منهم حول هذا الاحترام السعودي لحرية الرأي- والتعبير التي انتهكت في (تشارلي إيبدو)، ولكن مسموح بها في ساحات الجلد المفتوحة لدى آل سعود..
لم نسمع كلمة إدانة واحدة لاستهداف مدارس  للأطفال- آخرها مدرسة عكرمة في حمص، ولم نَرَ تضامناً مع هؤلاء الضحايا الأبرياء، كما أننا لم نسمع تضامناً مع طلاب كلية هندسة العمارة في جامعة دمشق، ولا مع طلاب جامعة حلب عندما استهدفهم الإرهاب المدعوم، والمسكوت عنه في فرنسا، وحلفائها في الخليج..
لم نسمعهم يتضامنون معنا عندما اغتيل علماؤنا، وصحفيونا، ورجال ديننا الإسلامي- والمسيحي، وعندما فُجرت الأضرحة، والأماكن المقدسة واغتيل الإعلاميون- ووصّفنا هذا الغرب المنافق بـ(الشبيحة)، والموالين للنظام دون أن يحترم رأينا- ضمن إطار احترامه لحق (تشارلي إيبدو) في التعبير عبر السخرية..
هل هناك سخرية أكثر من رؤية أحمد داوود أوغلو في باريس يتضامن مع ضحايا الإرهاب، وهو رئيس وكر داعش والنصرة، وحامي الخلايا النائمة، والمستيقظة لتنظيمات الإرهاب العابرة للحدود، وهل هناك سخرية أكثر من رؤية بنيامين نتنياهو ودماء أطفال غزة لم تجف بعد من أظافره، وهو ينتهز الفرصة للاصطياد ليرى كيف سيستفيد من دماء ضحايا باريس- مع استمراره بدعم جبهة النصرة الإرهابية جهاراً- نهاراً؟!
هل هناك سخرية أكثر من رؤية ممثلي نظام آل سعود، وآل ثاني، وآل خليفة، الفاشيين يتسكعون في باريس تضامناً مع حرية التعبير والرأي، وهم الذين أنفقوا مليارات الدولارات على تمويل الإرهاب وتفريخه، وإنتاجه، وتوزيعه كي يصبح العالم أكثر دموية، وتخلفاً، ووحشية، لأنهم بالأساس منتجو نفط- وغاز- وإرهاب..
دعوني أقل بصراحة- ووضوح- لست مع القتل، ولست مع الإرهاب والسوريون أكثر من دفع ثمن هذا الجنون العالمي، وتحالفات الغرب المشبوهة مع الفاشية الدينية في الخليج، ولكني لا أستطع القول (أنا تشارلي) بالرغم من إدانتي لهذا العمل الإرهابي، إلا عندما أسمع الكثير من مدعي الحرية في العالم يقولون:
أنا سامي أبو أمين، أنا زيد كحل، أنا محمد شمة، أنا محمد السعيد، أنا يارا عباس أنا د. محمد سعيد رمضان البوطي، أنا الكنيسة، أنا الجامع، أنا التنوع الحضاري السوري، أنا مدرسة عكرمة، أنا جامعة دمشق، أنا جامعة حلب، أنا الحر- الأبي- المقاوم- المدافع عن الحضارة- والتنوع- والعلمانية- والتعددية- وأنا شهداء الجيش العربي السوري البطل- وجرحاه- وأبطاله، باختصار شديد: أنا سورية.. أما أنتم فقد دعمتم كل القتلة والمجرمين  لتدمير سورية مهد الحضارات والتنوع- والتعددية..
اللهم لا شماتة.. ولكن!!!

الوطن

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=16620