أحوال البلد

أربعة وسبعون عاماً على جريمة سلخ لواء اسكندرون تزيد السوريين يقيناً باستعادته


على مر الأعوام الماضية لم ينس السوريين قطعة من أرضهم  بل زادتهم تمسكاً بتلك الأرض وزادتهم على يقيناً بأن لواء اسكندرون  سيبقى أرضاً سورية، وواقعاً سورياً وسيعود إلى ما كان بقوة إرادة التمسك بتلك الأرض و تحل اليوم الذكرى الرابعة والسبعون لجريمة سلخ لواء اسكندرون عن وطنه الأم سورية وضمه بشكل تعسفي وكنوع من الرشوة إلى تركيا بموجب اتفاق ثلاثي مع فرنسا وبريطانيا مقابل وقوفها إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ولكن ذكراه لا تزال خالدة في عقول السوريين ووجدانهم كأرض عربية سورية محتلة لا بد أن تعود إلى أصحابها مهما طال الزمن.
ويقع لواء اسكندرون شمال غرب سورية ويطل على البحر المتوسط ممتداً على مساحة 4800 كلم مربع ويسكنه اليوم أكثر من مليون نسمة ولم تكن تبلغ نسبة الأتراك فيه عام 1920 أكثر من 20 بالمئة وقد حرره العرب في العام 16 للهجرة من الاحتلال البيزنطي وأعادوا إليه هويته وعمروا أرضه وحصنوه كخط أول في مواجهة الروم البيزنطيين وبقي قلعة وثغرا عسكريا متأهبا في مواجهة محاولات الغزو الخارجي إبان ضعف الدولة العربية الإسلامية المركزية في بغداد.
وقع اللواء بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى تحت رحمة اتفاقية التقسيم سايكس بيكو التي تمت بشكل سري بين فرنسا وبريطانيا عام 1916 وكان من نصيب الاحتلال الفرنسي فاعترفت الدولة العثمانية بالهزيمة وأقرت بعروبة اللواء في معاهدة سيفر في 10 آب عام 1920 التي وقعت مع قوات الحلفاء.
وضعت فرنسا وبريطانيا يديهما على الشرق العربي واستمرا برسم حدوده وفق المتغيرات في تلك المرحلة وبعد نشوء الدولة التركية الحديثة عام 1923 وقعت فرنسا معها اتفاقية لوزان في نفس العام تنازلت بموجبها عن الأقاليم السورية الشمالية فانتقل خط الحدود السورية التركية باتجاه الجنوب وبقيت الأطماع التركية قائمة في اللواء الذي استقل إداريا وأطلق عليه لواء الإسكندرونة.
ورفضت تركيا إبقاء اللواء ضمن الدولة السورية وطالبت بتحويله إلى دولة مستقلة شأن دولتي سورية ولبنان وإنشاء اتحاد فيدرالي بينها ورفعت القضية إلى عصبة الأمم فيما خالفت فرنسا صك الانتداب الذي يمنع الدولة المنتدبة من التنازل عن أي جزء من الأراضي المنتدبة عليها.
وفي كانون الأول عام 1936 وصلت لجنة مراقبين دوليين إلى أنطاكية اقترح إرسالها مجلس عصبة الأمم وطافت في مختلف المناطق والنواحي وتعرفت على السكان واجتمعت مع وجهاء الطوائف وزعماء الهيئات السياسية والدينية واستمعت إلى مطالبهم.
وعادت اللجنة الدولية إلى جنيف بانطباعات أن الأتراك لا يشكلون أكثرية السكان وأن الغالبية العظمى من سكان اللواء بما فيهم نسبة كبيرة من الأتراك يعارضون ضمه إلى تركيا وأن الأتراك ليسوا مضطهدين من جانب السلطة المحلية.
وأجرت فرنسا وتركيا محادثات ثنائية انتهت في 24 كانون الثاني عام 1937 باتفاق على جعل اللواء منطقة مستقلة ذاتيا في نطاق الوحدة السورية على أن تكون منزوعة السلاح وقدمت اللجنة تقريرها إلى مجلس العصبة متضمناً مقترحاتها التي يجب أن يبنى عليها نظام اللواء وقانونه الأساسي فأقره المجلس في جلسة 29 كانون الثاني عام 1937 وعهد إلى لجنة خبراء صياغة النظام والقانون الأساسي.
وأعلنت تركيا وفرنسا أمام مجلس عصبة الأمم قبولهما بالتسوية الجديدة كحل نهائي لوضع لواء اسكندرون وعلى الرغم من إعلان تركيا ذلك نصرا لها إلا أن أطماعها استمرت فيما قام المفوض السامي الفرنسي بإنزال العلم السوري إيذاناً ببدء تطبيق نظام اللواء فقوبل بمظاهرات حاشدة من قبل أبناء اللواء باعتبار أن نص النظام يشير إلى أن اللواء جزء من سورية التي تدير شؤونه الخارجية.
وفي كانون الأول عام 1937 وضع قانون الانتخابات وفق المطالب التركية وبدأت السلطات التركية حملة من الضغوط والتهديد والرشوة والإغراء بالاتفاق مع السلطة الفرنسية التي سمحت لها بإدخال عشرات آلاف الناخبين من تركيا إلى اللواء بعد تزويدهم بهويات مزورة.
وفي نيسان 1938 وصلت اللجنة الدولية التي شكلها مجلس العصبة إلى اللواء لإجراء الانتخابات فيه وفي أيار عام 1938 حقق العرب في اسكندرون وقرق خان وأنطاكية تفوقاً على الأتراك في عدد الناخبين المسجلين ومع وصول الأمور إلى هذه المرحلة الحرجة لتركيا تم الإعلان عن اتفاق سري كان قد عقد بين فرنسا وتركيا بجنيف في آذار من نفس العام تعهدت فرنسا بموجبه ضمان أغلبية تركية في مجلس اللواء المقبل وبما أن التعهد لم ينفذ قامت تركيا بحشد قواتها على حدود اللواء وأنذرت فرنسا باحتلاله إن لم تف بتعهداتها.
وبسرعة فائقة قامت فرنسا بإجراءات لتنفيذ تعهدها هذا فأعلنته صراحة على لسان روجيه غارو مندوبها في اللواء في اجتماع عقده في دار بلدية أنطاكية لزعماء الطوائف العربية والأرمنية الذين رفضوا طلبه فقامت فرنسا بإعلان الأحكام العرفية والطلب إلى اللجنة الدولية وقف عمليات تسجيل الناخبين بحجة اضطراب الأمن فاستجابت اللجنة لطلبها واتخذت فرنسا خلال هذه الفترة إجراءات تعسفية عدة تضمن غلبة العنصر التركي.
وفي 9 حزيران عام 1938استقال المندوب الفرنسي غارو من منصبه وغادر المنطقة معلنا لأصدقائه أن ضميره لا يسمح له بتنفيذ سياسة دولته في اللواء فأسندت فرنسا وظيفته إلى الكولونيل كوله وعندما استأنفت اللجنة الدولية أعمال تسجيل الناخبين قامت الميليشيات التركية بتطويق مراكز التسجيل في الأحياء والقرى العربية ومنعت الناخبين من الوصول إليها واعتقلت كل من يحاول ذلك فاحتجت اللجنة الدولية على هذا الاجراء وارسلت في 13 حزيران عام 1938 برقية الى مجلس العصبة أبلغته فيها عن أعمال الضغط التي مارستها السلطة ضد العرب والتي ترمي الى ارغامهم على التسجيل في القائمة التركية او التخلي عنه.
وعلى اثر موقف اللجنة الذي يفضح تآمر فرنسا وتركيا على حرية الانتخابات وتزويرها لمصلحة الأتراك أعلنت فرنسا وتركيا قطع علاقاتهما مع اللجنة وطلبتا من مجلس العصبة استدعاءها لكن اللجنة استمرت في أعمال تسجيل الناخبين فأقدمت السلطة على توقيف مخاتير القرى وممثلي العرب لدى مكاتب التسجيل وأوقفت الزعماء والشباب العرب وملأت السجون بالمعتقلين فاضطرت اللجنة الدولية إلى إغلاق مراكز التسجيل وأرسلت تقريراً مفصلاً إلى السكرتير العام لعصبة الأمم بالانتهاكات الفرنسية والتركية.
وفي 23 حزيران عام 1938 اتفقت فرنسا وتركيا على ادخال 2500 جندي تركي إلى اللواء بحجة المشاركة في حفظ الامن مع القوات الفرنسية وفي 29 حزيران عام 1938 غادرت اللجنة الدولية اللواء إلى لبنان وأعدت تقريرها النهائي في 150 صفحة ذكرت فيه جميع الأعمال التي قامت بها والنتائج التي حققتها في التسجيل والتي أظهرت تفوق العرب عددياً على الأتراك وذكرت أعمال الضغط والإرهاب التي مارستها السلطة الفرنسية ضد العرب ورفعت تقريرها إلى السكرتير العام لعصبة الأمم في 30 تموز 1938.
وفي الشهر ذاته أخذ شبح الحرب يخيم على أوروبا فوقعت فرنسا وتركيا معاهدة صداقة بينهما تضمنت تعهد الطرفين بأن لا يدخل أحدهما في حلف ضد الآخر وأن يعترفا باستقلال اللواء ويطبقا النظام الموضوع له من قبل عصبة الأمم على أن يضمنا تفوق العنصر التركي فيه وقاما في 18 تموز عام 1938 بتشكيل لجنة مشتركة للإشراف على الانتخابات بعد طرد اللجنة الدولية حيث أعادت هذه اللجنة النظر في الجداول الانتخابية وألغت قيود الآلاف من الناخبين العرب ودعت إلى انتخابات قاطعها العرب والأرمن ففازت القوائم التركية بالتزكية.
واستغلت تركيا اندلاع الحرب العالمية الثانية في الأول من أيلول عام 1939 والوضع القائم في أوروبا وحاجة الحلفاء لضمها إليهم أو إبقائها على الحياد وخاصة أنها بعد معاهدة مونترو التي عقدت في 20 تموز 1939 أصبحت تسيطر على المضائق في زمن الحرب فأعلنت ضم اللواء نهائيا إليها.
ويبقى اللواء بعد سلخه عن سورية من وجهة النظر الدولية منطقة مستقلة تتبع سورية في شؤونها الخارجية وترتبط معها في العملة والجمارك والبريد ولم تعترف عصبة الأمم التي قامت على أنقاضها منظمة الأمم المتحدة الحالية بكل الإجراءات والتغييرات التي أحدثتها فرنسا وتركيا باللواء والمخالفة للقوانين والأنظمة التي وضعتها.
وتبقى أسماء الجبال والسهول والمدن في اللواء تحمل روح المنطقة وتاريخها وتنطق بهوية الأرض فأنطاكية واسكندرون وأرسوز والريحانية والسويدية أسماء تشي بعروبة المدن والأمانوس والأقرع وجبل موسى والنفاخ أسماء لا تخفي هوية الجبال السورية.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=10&id=1641