وجهات نظر

الحرب الكبرى ومعالم العالم الجديد

عبدالله أحمد


الإعلام تايم

في كتابه رقعة الشطرنج "Grand Chessboard" وضع بريجنسكي خطة استراتيجية لتطويق روسيا والصين وضمان الهيمنة الأمريكية، وبهذا الوصف فإن الهيمنة على آسيا الوسطى هو الأساس في ما يسمى إشغال روسيا وتطويقها، في تقاطع مع الخطة البريطانية  التي تتضمّن  جعل الشرق الأوسط  قوس من الأزمات "Arc of crises "، وضعها برنار لويس في اجتماع بليدبرغ  1969 "Bilderberg meeting" واعتمدت الخطة منذ ذلك الوقت، ولازالت  قائمة  ويقف وراءها بيلدبرغ، نادي رومانيا ، CIA ،ومجموعة بريجنسكي .


إلا أنه وفي ظل التطور التقني والإجتماعي ، وأثر  الإعلام الإلكتروني كذراع للقوة الناعمة ، وتجارب الإطاحة  بالدول والأنظمة من خلال "ما يسمى بالثورات الملونة "، تم ترسيخ استراتيجية أمريكية في ما يسمى "الفوضى الخلاقة"  تعتمد على تشبيك تنظيمات  "القاعدة – الوهابية – الاخوان - السلفية"، وتجنيد الشباب من خلال تنظيمات مشبوهة كالمشاع الإبداعي  وبتحالف مع شركات  ومؤسسات عملاقة  ومراكز أبحاث، وتم توسيع مفهوم قوس الأزمات ومفهوم الإشغال إلى مفهوم تغير الأنظمة والتحالفات  وصولا الى مواجهه الصين والتي تعتبر  التحدي الأساسي لمستقبل الولايات  المتحدة الأمريكية .


رهان بريجنسكي في استخدام  القوة الناعمة من أجل تغير النظام في أوكرانيا وتدمير سورية  وصولاً إلى تقييد القوة الروسية  لبناء التحالف ضد الصين  قد تعسّر، وبدأت المفاعيل تنقلب مما جعل بريجنسكي  يدفع  إلى استخدام القوة الذكية والتدخل المباشر في أكثر من جبهة، بعد أن اعتمدت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في إطالة الأزمات  في انتظار الظروف الأكثر ملائمة لتنفيذ المخطط المذكور.
أما في أوكرانيا  فقد تحولت الأزمة إلى فرصة لروسيا لتقويض المشروع الغربي واستعادة القرم أي توطيد النفوذ البحري الروسي  والذي سعى الغرب الى تقويضه.


حسابات بريجنسكي اصطدمت بحقيقة القوة السورية المتمثلة في الواقع الذي فرضته مؤسسات الدولة السورية على رأسها  الجيش العربي السوري والقيادة السورية، وبرز ذلك جلياً في صمود الدولة السورية لثلاثة سنوات، وكان ذروة ذلك الانتخابات  السورية  التي قلبت المعادلات ورسخت انتصار الدولة وعودة الولاء للدولة الذي يعتبر العامل الأساسي في حسم الحرب السورية، أدى ذلك إلى ردات فعل "backlash" غير محسوية  ومرتبكة في المحور الغربي – العربي  المعادي .


التطورات الأخيرة والتي اعتمد فيها الغرب على استثمار تنظيم "داعش" الإرهابي في سورية والعراق في محاولة لتمديد الصراع  والحرب على سورية، وفتح نافذة للأفكار والمبادرات "دي ماستورا"، حيث القيادة السورية واعية تماماً ولن يكون هناك نصر في السياسة للقوة الغربية حيث لم يتمكنوا من إحراز النصر العسكري خشية منهم أن يحسم الجيش السوري الحرب في حلب ومناطق سورية الأخرى، وما سيحدث ذلك من تداعيات على المنطقة والعالم .


مازال الغرب  يستخدم  الوكيل التركي، وتركيا مازلت مكمن الخطر والحربة الأساسية أمام استقرار العراق وسورية، ولا يمكن الرهان على حزب العدالة والتنمية وتنظيم فتح الله غولن المرتهنة للغرب والمنفذه لسياسات "الناتو" .


إنها مرحلة مهمة وخطرة من الصراع العالمي وتبلور المشاريع والأقطاب، وبالتالي فإن العقد القادم يحمل تحولات عالمية جوهرية ستؤدي إلى تغيرات دراماتيكية على مستوى النفوذ واستقرار الدول ونشوء و زوال كيانات متعددة ،حيث إن الجبهات المفتوحة  في أوربا وشرق آسيا والشرق الأوسط، ما هي إلا البداية التي تشير إلى التغيرات المذكورة، مع الاخذ بالاعتبار الصلابة في موقف بوتين والمحور الممانع، والذي يؤشر إلى أن ظهور قطبية متعددة أمر لا مفر منه  "Inevitable"على الرغم من الضبابية في مرحلة الصراع العنيف المستمر .    


قوة سورية وجيشها وصلابة الرئيس الأسد في الدفاع عن سورية هي الرهان والطريق لعالم جديد يرسم من دمشق.    

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=16040