الحدث السياسي

السوريون والهجرة .. بين الواقع والحلم


الإعلام تايم - نوار هيفا

ليس طابوراً أمام الفرن للحصول على الخبز، ولا طابوراً لدفع فواتير الكهرباء أو الهاتف، إنه طابور المسافرين بالطرق الشرعية أمام أقسام الهجرة والجوازات، أملاً بالحصول على تأشيرة خروج تنقذ الحالمين من آثار الدم والخوف المنتشرين على الأرض السورية ليتغير الدافع والهدف بين الماضي والحاضر.

قديماً كان الضغط الأكبر على الشباب في سورية هو تأمين العمل، إذ كان قرار الهجرة مرتبط بنسبة حصولهم على الوظيفة عن طريق دراستهم أو وجود الدعم المطلوب للتوظيف في الحكومة أو الشركات الخاصة، وعند عدم حصولهم على الوظيفة، يبدأ التفكير بالهجرة والبحث عن عمل في بلاد الهجرة.. ومع وصول نسبة البطالة بين الشباب السوري إلى نحو 34%، بلغت نسبة الشباب الراغبين في الهجرة ممن تتراوح أعمارهم بين 15و24 عاماً نحو 34.3%، وترتفع هذه النسبة بين ذوي الأعمار 19 إلى 24 عاماً لتصل إلى 43.2% من العينة المبحوثة. وبحسب دراسة للهيئة السورية لشؤون الأسرة، فإن الشباب الراغب في الهجرة كان من ذوي الدخول المحدودة، وأكدت الدراسة أن السبب الذي يدفع العاملين الشباب للتفكير بالهجرة هو تحسين المستوى المادي والمعيشي بالدرجة الأولى.

وتتابع الدراسة في أسباب الرغبة في الهجرة، إضافة إلى البحث عن فرصة عمل وتحسين مستوى الدخل، انخفضت نسبة طالبي الهجرة لأسباب أخرى كمتابعة الدراسة والإحساس بالعجز عن تحقيق الطموحات العلمية أو المهنية، ما يدل على تراجع الرغبة بالتحصيل العلمي وتنمية القدرات الذاتية، وهذا يعني أن همّ الشباب الأول تركز في تحسين الوضع المادي له ولأسرته، بسبب مايشهده المجتمع من أزمات اقتصادية، وما خلّفه ذلك من آثار سلبية على الوضع الاجتماعي، كله يدفع الشباب إلى التفكير بشتى الوسائل المساعدة لتحسين وضعه المادي، ثم يفكر بالناحية العلمية وغيرها من الأهداف، إذ يصطدم الشباب بحسب الدراسة مع واقعه، فهو يرى تجارب الآخرين ممن حصلوا على شهادات عالية ولم يوظفوا طاقاتهم هذه في مجال اختصاصهم وإنما في مجالات بعيدة كل البعد عما تعلّموه.

فضلاً عن الخوف من عدم الاحساس بالأمان في ظل الأوضاع التي تشهدها البلاد والندي دفع بالبعض منهم لسلوك طريق الهجرة غير الشرعية .. طريق مجهولة الملامح، فيعيش المهاجر أوضاع صعبة منتظراً تأشيرة خروج كلاجئ إلى إحدى الدول الأوربية، بعد أن كان يحلم دوماً بوطن أفضل قرر مغادرته إلى غير رجعة.

ليس الشباب فقط من دفعتهم الظروف الحالية إلى مغادرة الوطن، هناك عائلات بكاملها سافرت حتى إشعار آخر، بعد أن خسرت بيوتها أو عملها أو أحد أفرادها نتيجة للصراع الدائر على الأرض السورية، وإن كان الوضع المادي الجيد وبعض الحظ قد ساعد البعض على تأمين حياة أفضل في الخارج، إلا أن خيام اللاجئين المنتشرة في الأردن لبنان وتركيا تنطوي على الكثير من حكايات الألم والمعاناة القاسية التي يعاني منها اللاجئون السوريون هناك ممن سدت بوجهه منافذ الأرزاق وأخذه حلم الغربة ظلت عيناه تنظران بعيداً خارج الوطن .. إلا أن البعض ورغم الحاجة والأوضاع لم تستطع التغلب على حنين الوطن .. فلم يجد أمامه بداً من الهجرة الداخلية حيث شهدت سورية انزياحاً سكانياً داخلياً ملحوظاً طلباً للأمان ولقمة العيش، وتشير التقديرات الأولية إلى أن عدد السكان النازحين داخلياً يقدر بنحو 3 ملايين نسمة، وقد أثر هذا العدد الكبير على التنمية البشرية، وكان لهذه الهجرة آثار أخرى مباشرة، كإحداث تغيير في التركيب الديموغرافي للمناطق السورية.

أحلام مغلوطة في الدول المستقبلة

غالباً ما يكون الرأي العام السلبي الشائع على نطاق واسع في البلدان التي يهاجر إليها السوريون بشأن الهجرة والمهاجرين مدفوعاً بقدر أقل من الحقائق، مثل العدد الفعلي للمهاجرين الذين يصلون إلى دولة محددة، وقدر أكبر من المفاهيم الخاطئة كالتي تتردد حول سرقة المهاجرين -ومنهم السوريين- للوظائف من السكان المحليين ودفعهم معدلات الجريمة للارتفاع وإثقالهم كاهل الخدمات العامة.

وقد توصلت الدراسات العديدة التي أجراها الأكاديميون والباحثون إلى دلائل تدحض العديد من هذه المغالطات، بعد ما تعرض له الاجئون السورين في مخيمات الاعتقال والضغوط التي يتلاقها الشباب السوري المهاجر في البلد المستقبل له فتغدو أحلامه سرابا في مهب الريح.

وفي النهاية يبقى السؤال هل سيرجع السوريون يوماً؟

ثلاثة أعوام من التعب وعدم الاستقرار، فهل يرجع الشباب السوري إلى وطنه لتعميره وبنائه من جديد، أم أنّه استقر في عمل وبلد آمنين؟ ما الحاجة إلى البدء من جديد في بلد لم يُشفَ من آثار الدم... فهجرة الشباب السوري تدفع للقلق على مستقبل سورية، فهم مستقبلها وحاضرها والشباب، كما كل السوريين يحتاجون إلى وقف نزيف الدم على الأرض السورية، ليتمكنوا من العودة إليها وإعادة إعمارها وإعادة أحلامهم المسلوبة منهم قسراً، يحتاجون إلى التطمينات على مستقبلهم وطموحاتهم، وإلى حضنها الدافئ الذي سينسيهم ما عانوه طويلاً في بعدهم عنه، ليكونوا الغد والأمل لبلد مثقل بالجراح والألم.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=1&id=15914