الإعلام تايم-مقال رأي
هل تذكرون كم ضحكنا على الجولاني وهو يتحلق مع مستشاريه العسكريين ذوي اللحى حول خريطة حلب وهم يمسكون أجهزة الإرسال ويتناقشون في الخطة الدفاعية المعقدة كما يفعل الجنرالات الألمان والأمريكان في أفلام الحرب العالمية الثانية؟؟ لاشك أن المشهد لا ينسى لظرافته وكوميديته ... لكن الأحداث أثبتت أن أيزنهاور جيش الفتح أبو محمد الحولاني ماهو الا ممثل والضباط الحقيقيون في جيش الفتح هم ضباط لا يتحدثون العربية .. ومن المعيب أن جيش الفتح وعدة جيوش تباد في حلب الشرقية فيما اختفى الفوهرر أبو محمد الجولاني في حصنه تحت الأرض وفي مغارات تورا بورا الإدلبية .. وصمت وسكت كما لو أنه بوذا في معبده ولم ينبس ببنت كلمة ولم يلتق به أحمد منصور ليجري معه لقاء يرفع معنويات جيشه ..
دعونا نعترف أن سرعة تقدم الجيش السوري في حلب جعلتنا نهرول خلفه ولم نعد نستطع اللحاق به .. فكلما غبت عن متابعة الأخبار لدقائق وقد تركت الجيش السوري على تخوم أحد الأحياء الحلبية أعود لأرى أن الجيش صار في حي آخر .. وقد صرت لا أقدر على اللحاق به .. ولا أبالغ أنه تنتابني مشاعر المتفرجين في مباريات كرة القدم عندما يسدد فريقنا عشرة أهداف في شباك الخصم حيث أتمنى أن تنتهي اللعبة وأن يتوقف فريقنا عن التسديد وإذلال الخصم المنافس .. ولكن المشكلة أننا لانلعب كرة القدم والفريق المنافس ليس لديه أخلاق بل خطر ومجرد من الرحمة والوطنية ويريد بنا شرا .. ولذلك فان حملة إبادة جيش الفتح مستمرة .. وستنتهي معركة حلب وينتهي معها جيش الفتح الذي بقي في حلب لأنه حسب المعطيات العسكرية يتعرض لعملية إبادة حقيقية .. وسيدخل متحف الكائنات التي انقرضت الى جانب الديناصورات والماموث والجيش الحر .. وأتذكر ما همسه لي صديق ايرلندي يفهم السياسة الغربية الى حد كبير بحكم احتكاكه بها في عمله الأكاديمي عندما قال لي: أشك أن الأمريكيين يصرون على منع استسلام مقاتلي جيش الفتح وخروجهم عبر المعابر لأنهم لا يريدون أن يخرج منهم أي أحياء من أحياء حلب الشرقية حيث سيضطرون الى التعامل مع عشرة آلاف مقاتل لا يريدهم دونالد ترامب في أعباء ادارته .. وأضاف وهو يبتسم: "تذكر أن إدارة أوباما خرجت عملياً من القرار السياسي وأن القرار الآن في الكواليس للإدارة الجديدة التي تمسك الآن بالقرارات الحاسمة ولا تسمح لإدارة أوباما أن تتخذ قراراً سيعيق عمل الإدارة القادمة التي ستتسلم الملفات خلال أيام .. وإدارة ترامب قررت أنها لا تريد أي علاقة مع الإسلاميين وأنها تفضل إبادتهم كما يبدو .. والا فكيف تفسر أن لا يحاول الأميركيون انقاذ من بقي من الاسلاميين في حلب وحشدهم في ادلب التي ستحتاجهم في معركتها والعالم كله يدرك أن نجاتهم من حلب مستحيلة؟؟ " ..
نعم إن تقدم الجيش السوري في أعقد حرب مدن قد شكل مفاجأة للجميع حيث أن خسائر الجيش محدودة جداً كما أن خسائر المدنيين المحاصرين محدودة للغاية بل إن المطبلين بالمخاوف الإنسانية رغم محاولتهم المبالغة في أرقام المدنيين الضحايا زعموا أن 300 مدني أصيبوا في المعارك .. وهذا رقم - إن كان صحيحاً - يسقط في مباراة كرة قدم في مدينة أوروبية بين مشجعين وليس في مدينة ينحشر فيها عشرات الآلاف في الأزقة وأرغمتهم الميليشيات الاسلامية الارهابية على البقاء كدروع بشرية في وجه الجيش السوري .. وأنا من خلال متابعتي لعمليات اقتحام مدن مأهولة في العقود الأخيرة استطيع أن أقول بأنها عملية استثنائية في دقتها وتثير علامات التعجب بين أكثر المتفائلين بأن تكون خسائرها قليلة .. ولاشك أنها ستطرح نظريات كثيرة في المدارس العسكرية حول العالم لتفسير مناورة الجيش السوري وحلفائه في تجنب إصابة المدنيين بشكل ناجح .. فهذه أول معركة مدن تتم تحت أنظار العالم و ومجساته وجواسيسه وكاميراته ومراصده .. ولكن الغريب أن الجيش السوري يتدفق في الأزقة وبين الأبنية وكأن مقاتلي جبهة النصرة قد جعل الله سداً على عيونهم وقلوبهم فلايرونهم الا وقد صارت فوهات البنادق على فوهات البنادق .. و لاتوجد عملية خاطفة سريعة يمكن مقارنتها بها من حيث السرعة والخسائر لدى القوات المهاجمة وخسائر المدنيين .. حتى الأميركيون والبريطانيون عندما اقتحموا بغداد والبصرة تبين أن اقتحامهم كان تلفزيونياً وليس عن طريق مواجهة عنيفة وحرب شوارع ..
فعندما احتل الأمريكيون بغداد .. لم نعرف ولزمن طويل كيف سقطت المدينة في بضعة أيام .. وكنا نعتقد أن القدرات الأميركية خارقة أو أن عملية خيانة كبيرة هي التي أدت إلى سقوط المدينة .. وعرفنا لاحقاً أن الامريكان اعتمدوا خطة تلفزيونية بحتة .. فهم ركزوا على احتلال مطار بغداد تحت وابل هائل من النار والقنابل العجيبة .. ثم شقوا ممراً ضيقاً من مطار بغداد الى ساحة الفردوس في قلب بغداد تحت غطاء جوي كثيف جعل الممر نزيفاً من أي مقاومة .. وفي ساحة الفردوس أسقطوا التمثال الشهير لصدام حسين أمام الكاميرات .. وكانت الجزيرة (صاحبة الربيع العربي) أول محطة عربية تنقل سقوط التمثال ودموع الناس المنهارين أمام شاشات التلفزيون ومناظر جر التمثال وضرب صور صدام حسين .. وكانت كثير من المشاهد مصورة وتمثيلية .. وهذا المشهد هو الذي أسقط بغداد لأنه خلخل معنويات المدافعين عن بغداد وكل القادة العراقيين العسكريين والسياسيين في كل المدن العراقية مع تغييب ظهور الرئيس العراقي وترويج اشاعة مقتله في الغارة على مطعم الساعة حيث لم يظهر بعدها ومنع بث أي رسالة منه .. وهنا بدأ الناس يحسون أن المعركة انتهت بحركة (كش ملك) أو (كش صدام) وبدأ عمليات الاستسلام والانهيار دون قتال .. وكل ما قيل عن بطولات الجيش الامريكي مجرد أفلام هوليوودية .. التي صورت بطولات لا أساس لها من الصحة داخل المدن العراقية .. مثل فيلم انقاذ الأسيرة المجندة جيسيكا لينش التي صورت (السي ان ان) والجزيرة مشاهد لاقتحام المشفى الذي عولجت فيه ونقلها على نقالة .. وبعد الحرب تبين أنها لن تنقذها العمليات الخاصة الأمريكية بل ميليشيات عميلة عراقية دفع لها الأمريكان مالاً وكلفت بتحريرها من المشفى .. ثم جاء الجنود الأمريكان وحملوا المحفة التي نقلت عليها وصوروا آخر مشهد وهم ينقلونها ..
لكن حلب لم تحررها الكاميرات والعقبريات الهوليوودية .. بل نتابع التحرير الحي من شارع الى شارع ومن نافذة الى نافذة .. وما نراه عملية متقنة رائعة وبديعة الأداء العسكري لفرق من النخبة وتنسيق متناغم بين مختلف أنواع الأسلحة وتفوق التكنولوجية الروسية في مجال الالكترونيات حيث يشاع أن كل وسائل الاتصال بأيدي الإرهابيين صامتة أو مخترقة وتسمع كل مناقشاتها في دمشق وحميميم .. بما فيها تعليمات خارجية ونصائح عسكرية فاشلة وأحياناً تحريض كيدي كما حدق مع المشفى الروسي الميداني ..
إذا أصر الغرب على الايحاء لجيش الفتح أنه يحاول انقاذه عبر قرارات مجلس الأمن فإنها خدعة تنطلي على مقاتلي وفصائل هذا الجيش الإرهابي الغبي .. لأن الروس يعرضون الخروج لكل المقاتلين ولكن الأمريكان لا يريدونهم أن يخرجوا وهنا يكمن لغز غير مفهوم .. ربما لأن ترامب يريد دفنهم في حلب وينفض يديه من هذه المعضلة في وقت يمكن أن ينقذهم فيه ويأخذهم الى إدلب ويفاوض عليهم وهم عشرة آلاف مقاتل .. تحتاجهم معركة إدلب القادمة .. ولكن وفق إشارات قادمة ستخسر معركة إدلب عشرة آلاف مقاتل لن يصل منهم ولا مقاتل واحد .. وأعتقد أن الضباط السوريين والروس لا يمانعون في إجراء عملية بتر لجيش الفتح وتخليصه من الوزن الزائد له في حلب قبل الالتفات الى إدلب ..
أنا شخصياً أتمنى على هؤلاء المجانين المسلحين الباقين في شرق حلب أن يحقنوا دمهم وأن يستسلموا ويوفروا علينا قتلهم .. لأننا مهما كرهناهم لا نحب قتلهم ونتمنى أن يمنحونا فرصة توفير حياتهم .. لأنني لاأزال مؤمناً إننا لم نرد قتل أحد منهم يوماً رغم أنه أراد قتلنا .. ولكن ماذا أفعل بين مناقشات الروس والأمريكان .. وفي هذا النقاش يبدو أن جيش الفتح لا يعد العصي فقط على جسده ويحس بها مؤلمة بل لم تبق له الا أيام معدودات على الانقراض .. والفناء .. وعلى تجربة الإبادة التي يجيدها الروس الذين أباد جيشهم الأحمر يوما الجيش السادس الألماني (فيرماخت) عن بكرة أبيه والذي كان تعداده 110 آلاف جندي ..ولم يعد منه الى المانية الا بضعة مئات ..
مصير جيش حلب وجيش الفتح الذي عماده النصرة والقاعدة هو نسخة عن مصير (فيرماخت) .. أي الابادة الشاملة .. في أيام معدودات .. ونحن نخيرهم ونقول: أما الجنة وإما النار .. من يختار الجنة فسنرسله اليها أما على أجنحة السوخوي لتحملهم "حويصلات طيور خضر" .. أو اذا أراد فسنرسله الى الجنة في إدلب في باصات خضراء .. وأما من اختار النار فله منا النار التي ستهابها نار جهنم ..
اختاروا يا شباب الجولاني والمحيسني و يافلذة كبد أردوغان وياقرة عين الملك سلمان .. ونقول لكل كتيبة مجاهدة .. ولجبهة النصرة بالذات:
اختاري .. فجبن ألا تختاري .. لا تقفي مثل المسمار .. لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار ..